محلي

مواقف خالدة.. القائد الشهيد يرسل طائرة خاصة لنقل بطل فيلم الرسالة التاريخي للعلاج في أي مكان بالعالم 11 سبتمبر، 2020

أوج – القاهرة
ثمة مواقف خالدة ومحفورة في الذاكرة لا يستطيع المرء نسيانها؛ على رأسها ما فعله القائد الشهيد معمر القذافي مع الفنان المصري الراحل عبدالله غيث؛ عندما أرسل له وفدًا ليبيًا يتولى علاجه في أي مكان بالعالم، ونقله عن طريق طائرة خاصة لإنقاذ حياته من مرض السرطان الذي أصيب به.

واكتشف عبدالله غيث إصابته بسرطان الرئة والكبد معًا بعد أن كان المرض وصل إلى مراحله الأخيرة، وكان حينها يعمل في مسلسل “ذئاب الجبل” ولم يستطع إكمال أربعة مشاهد من “ذئاب الجبل” وفي مسرحية “آه يا غجر” تحامل على نفسه حتى انتهت المسرحية.

وأثناء وجود الفنان الراحل بالمستشفى فوجئ بوفد ليبي ينوب عن القائد الشهيد معمر القذافي، يبلغه بأن هناك طائرة طبية خاصة تنتظره لنقله إلى أي بلد في العالم للعلاج، لكن طبيبه الخاص أخبرهم بأنه قد فات الأوان، فرحل عبدالله غيث عن دنيانا يوم 13 الربيع/مارس عام 1993م.

تمويل القائد لفيلم الرسالة
وتعود علاقة القائد الشهيد بغيث إلى أن الأخير هو بطل فيلم الرسالة الذي مولته ليبيا بعد رفض عدد من الدول العربية ذلك، حيث قال وزير الإعلام الكويتي الأسبق، محمد السنعوسي، في تصريحات سابقة، إن معمر القذافي وافق على استكمال تصوير فيلم الرسالة، في ليبيا وتحمل جزء كبيرا من تمويله، حتى صار منتجه الحقيقي.

وأشار السنعوسي، إلى أن تحمس القائد الشهيد للفيلم، يرجع لأنه يحب كل ما هو جديد، موضحًا أن تكلفة اليوم الواحد كانت 50 ألف دولار، شملت أجور الممثلين، وتكلفة المعدات السينمائية، لمدة بلغت 50 يوم في المغرب، مبينا أن القائد تحمل هذه التكلفة، مُشيرًا إلى أنه حين جاءت الموافقة على استكمال التصوير في ليبيا تم شحن المعدات وفريق العمل بباخرة إلى هناك.

ولفت إلى أن مخرج العمل، مصطفى العقاد، اختار مكانا نائيا في الصحراء الليبية، وجهزه ليكون مكان لإقامة الممثلين، وتصوير باقي مشاهد الفيلم، مشيرا إلى أن العقاد دشن مطارا في هذه المنطقة الجنوبية من البلاد، لتسهيل حركة نقل المؤن والشرائط، من لندن إلى ليبيا والعكس.

وكشف السنعوسي، أن الجيش الليبي، اشترى هذه المدينة التي صنعها مخرج العمل، واستخدمها كوحدة عسكرية، موضحا أن “الكومبارس” الذي شارك بالتمثيل في الفيلم كانوا أفرادا من الجيش الليبي.

وأكد أن الدول المشاركة في إنتاج الفيلم لم تلتزم بعهودها، حتى أن الكويت دفعت 400 ألف دولار فقط من الميزانية التي وصلت ملايين الدولارات، مشيرا إلى أن من تحمل التكلفة الإجمالية للفيلم هو القائد الشهيد، الذي “كان سخيا جدا” بحسب توصيفه.

وأوضح أن أول من شاهد الفيلم، هو معمر القذافي، لافتا إلى أن الشهيد، طلب 50 نسخة من الفيلم لتوزيعها على الزعماء الأفارقة، وأجيب طلبه، وتمكن الرؤساء الأفارقة من مشاهدة الفيلم.

وأكد أن القائد، اقترح على العقاد، خلال العرض الخاص للفيلم في ليبيا، فكرة فيلم عمر المختار، موضحا أنه أنفق على الفيلم بالكامل، مُستدركًا: “اختار العقاد، نفس طاقم عمل فيلم الرسالة، وقمنا بتصويره في ليبيا، وسهل لنا القذافي، كل الأمور لإنجاح الفيلم، الذي قام ببطولته الممثل العالمي، أنطوني كوين”.

وكان القائد الشهيد معجب بدور عبدالله غيث في فيلم “الرسالة” الذي جسد فيه دور حمزة بن عبد المطلب (عم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم)، بالإضافة إلى أدوار أخرى خلال مسيرته الفنية الحافلة والتي حاز فيها ألقابا عديدة حازها، فهو “فارس المسرح العربي”، وهو أيضًا “ملك الفيديو”، لكن أكثر الألقاب حضورًا لدى الجمهور ما ارتبطت بالشخصيات التي جسدها في أعماله، وأبرزها “عباس الضو” في مسلسل “المال والبنون”.

ورغم أدواره المتنوعة، سواء على شاشة السينما، أو الشاشة الصغيرة، أو حتى خشبة المسرح، إلا أن دوره في “الرسالة” كان الأبرز، ويكفي أنه صرح في أحد لقاءاته التليفزيونية بأن الممثل الأمريكي الشهير أنتوني كوين، بذاته اعترف له بأنه تعلم منه، وأنه تفوق عليه في أداء الدور نفسه في النسخة الأجنبية للفيلم.

ولد عبدالله غيث في إحدى قرى محافظة الشرقية المصرية يوم 28 آي النار/ يناير عام 1930م، وتوفي في 13 الربيع/ مارس عام 1993م، عن عمر يناهز 63 عاما، بسبب إصابته بالسرطان الذي تم اكتشافه في مراحله الأخيرة.

وتربى غيث في كنف أسرة ميسورة الحال، فكانت عائلته تمتلك مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وعلى عكس النمطية التي كانت سائدة عن أن أهل الأرياف أشخاص بسطاء وتعليمهم محدود، فإن والده كان مثقفاً ويتحدث باللغة الإنجليزية وكان يدرس الطب في لندن ببريطانيا، لكنه عاد إلى وطنه في بدايات الحرب العالمية الأولى ولم يستطع العودة لإكمال دراسته، إذ استدعي لتولي العمودية أو منصب العمدة في القرية، فتزوج وأنجب خمسة أبناء كان أصغرهم عبدالله غيث، وشاء الله أن يتوفاه في سن مبكرة تاركاً عبد الله غيث وأخوته أيتاما.

وكان غيث في طفولته مشاغباً ويهوى الهروب من المدرسة ليحضر الحفلات الصباحية في السينما والمسارح، ونتيجة لذلك لم يتمكن من الحصول سوى على الشهادة الإعدادية ثم الثانوية، عمل عبدالله في الزراعة لمدة عشر سنوات ليشرف على أرضه بنفسه، بعدها انتقل إلى القاهرة ليحقق حلمه وعشقه للفن منذ صغره.

وقرر الالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية في عام 1950م، وأشرف عليه شقيقه حمدي غيث الذي كان يعمل أستاذا بالمعهد آنذاك، بعد رجوعه من بعثته بباريس، وكان من بين دفعته الممثل كرم مطاوع والممثلة سناء جميل، وتخرج عام 1954، ليبدأ مشواره في عالم التمثيل من خلال التحاقه بالمسرح القومي.

لا يختلف اثنان على أن أهم دور لعبد الله غيث في مسيرته الفنية كاملة هو دور أسد قريش، حمزة في الملحمة التاريخية الأشهر على الإطلاق فيلم “الرسالة”، والذي كرس هيبته وأداءه وحرفيته ليتوج نجماً على عرش السينما المصرية والعربية.

وكان الند له في ذلك الوقت النجم العالمي الأمريكي أنتوني كوين، الذي جسد الدور نفسه لكن في النسخة الأجنبية من الفيلم، وشاءت الظروف أن تصوير الفيلمين كان يتم في التوقيت نفسه وبالديكور نفسه مع اختلاف الممثلين وبعض المجاميع.

وتوقع مخرج ومنتج الفيلم المخرج السوري الراحل مصطفى العقاد أن الممثلين العرب سيحاولون الاستفادة من خبرات الممثلين الأجانب في الفيلم، لكن النتيجة كانت مختلفة؛ إذ فوجئ المخرج ببراعة أداء الممثلين العرب، حتى أن أنتوني كوين وقف يشاهد تجسيد عبدالله غيث للدور، وعلق على أدائه :”لو كان عبد الله غيث في أمريكا حاليا لكان له شأن آخر”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى