محليمقالات

أمريكا بين الفيلة والحمير: هل أنتهي ترمب الرئيس ام الظاهرة

ترمب الرئيس:
“رحلتنا المذهلة قد بدأت للتو” هكذا خاطب دونلد ترمب أنصاره في أول فيدو نشره كتغريده بعد أن أفرجت شركة توتير عن حسابه الذي جمدته بسبب تحريضه لأنصاره على الهجوم على مقر الكُنجرس معقل الديمقراطية الأمريكية ورمزها الأبدي.ومنذ ذلك عادت توتير وأغلقت حساب رئيس أكبر دولة نهائيا دون أن يرف لها جفن ولا أن يفعل هو شئ!أخر مرة تم فيها الهجوم على مقر الكنجرس كانت في عام 1814 يومها كان المهاجمون جنود بريطانيون يحاولون إحراق المدينة بأسرها ولم ينقذ المبنى سوى إرادة الله اذ هطلت أمطارا غزيرة فأطفأت الحريق فيه ولم يكن يومها قد أكتمل بناءه.
ولم يعد أمام الرئيس المنصرف ترمب الا ايام قليلة قبل أن يغادر البيت الأبيض. ومع أن الرجل لم يدخر وسيلة أو جهد للبقاء في السلطة الا انها لم تفده. رفع هو ومحامييه وأنصاره أكثر من 20 قضية قانونية طعنا في الانتخابات وعشرات الأكاذيب والشائعات التي رددها حتى قبل انتخابات 3 نوفمبر. بل وحاول ان تصل القضية الي المحكمة العليا التي راهن عليها كثيرا الا أن ذلك أيضا فشل. وكان ترمب ومنذ شهر أكتوبر يقول أنه لن يعترف بالهزيمة ولن يقبل النتيجة اذا فاز منافسه بل أنه مرة على الأقل قال لن أترك البيت الأبيض اذا خسرت الانتخابات! عدم أعترافه بالهزيمة كسر العرف الذي جرت عليه العادة في أمريكا اذ يعترف المهزوم بهزيمته ويهنئ الفائز في ليلة أعلان النتائج ولكن هذا ليس شرط قانونيا لإعتماد النتيجة وبالتالي قبل ترمب ام رفض فهذا لن يغير شئ وجوزيف بادين سيكون الرئيس 46 للولايات المتحدة الأمريكية بداية من يوم 20 يناير.
وما أن أنتهى الهجوم على الكنجرس حتى عاد للانعقاد كمؤشر على قوة المؤسسات وصلابة الدستور الأمريكي ولم يستغرق الأمر مايك بنس،نائب الرئيس، أكثر من45 ثانية ليعلن رسميا المصادقة على فوز بايدن وهزيمة ترمب.
ترمب الرئيس أنتهى نظريا ولكن وفق تصرفاته وسلوكه لايزال قادر، حتى يوم 20 يناير، على الكثير من المفآجاءت بما فيها توجيه ضربة لإيران مثلا أو الإعتراف بتايوان دولة مستقلة أو حتى أعلان حفتر رئيس شرعي لليبيا والسراج خارج عن القانون!
ولكن هل حقا أنتهى ترمب؟
طبعا لا. ترمب الرئيس أنتهي ولكن هذا لا يعني أنتهاء ترمب الظاهرة والزلزال الذي أحدثه ظهوره في المشهد السياسي الأمريكي بكل أركانه. ودونلد ترمب الذي لا علاقة له بالعمل الحكومي وعلاقته بالسلطة والبيروقراطية العامة تبدأ وتنتهي في دفع الضرائب أو التحايل عليها وهو ما يعتبره الرجل ذكاء وقد أعترف ضمنا بأنه فعل ذلك مرات وهناك إثباتات على أنه، وعلى غناه كله، لم يدفع اي ضرائب دخل على مدى العقد الماضي بأكمله في اوسع عملية تحايل وأن تبث هذا قد يواجه عواقب وخيمة بعد خروجه من البيت الأبيض.
مشكلة ترمب الحالية هي كيف ينجو مما فعل أنصاره في الكنجرس بتحريض مباشر منه مع أنه عاد في اليوم التالي، الجمعة، وتبرأ منهم ومن فعلهم فيما أخدت السلطات القضائية تقبض عليهم واحدا بعد الأخر ولكن حتى هذا لن ينهي المخاوف القانونية التي قد تلاحقه.
هل يمكن عزل الرئيس وهو على عتبة نهاية رئاسته؟
يحق لنائب الرئيس أن عجز الرئيس عن أداء مهامه أن يطلب من أغلبية الثلثين من الوزراء المصادقة على عزل الرئيس ويتولى هو السلطة ولكن في الوقت الحالي هذا خيار مستبعد لأسباب عدة أولها أن نائب الريس مايك بنس ليس مؤهل نفسيا ولا قياديا ولا يمتلك الكاريزما لفعل ذلك. والسبب الثاني أن موافقة 8 أو أكثر من الوزراء الخمسة عشر لايبدو متوفر الآن وفوق هذا كله فالرئيس ليس عاجز عن اداء عمله الآن لأسباب يحددها التعديل 25 بل انه يعمل ولكن كما يبدو ضد مصلحة الأمة على الأقل وفق أعتقاد الديمقراطيين.
الخيار الآخر هو عزله عبر الكُنجرس بعد محاكمته كما حدث العام الماضي والمحاولة فشلت لأن العزل يحتاج الي أغلبية في مجلس الشيوخ ويومها كانت الأغلبية لدى الجمهوريين وهم ما منع عزل ترمب. صحيح أن الديمقراطيين فازوا بمقعدين في جورجيا وبالتالي هم الآن أغلبية في مجلس الشيوخ (بالصوت الحاسم لنائب الرئيس كامالا هرس) ولكن العضوين الجديدين لن يتم أعتمادهما الا بعد 22 يناير وحينها يكون الرئيس قد خرج من البيت الأبيض.
سيخرج الفيل ولكن هذا لن يرضي الحمار:
أقصى ما يريده الجمهوريين بمن فيهم أشدهم تأييدا لترمب الآن هو ان يخرجوا فيلهم (ترمب) من ورطته التي وقع فيها نتيجة ما حدث يوم الأربعاء 6 يناير بالحد الأدنى من الخسائر. فاستمرار الجدل حول ما جرى يعني تعاظم خسائر الجمهوريين كل يوم وهذا الوضع أصبح يهدد الحزب العتيق برمته. مشكلة الفيل (ترمب) الجمهوري الحالي أنه رجل جاء من المجهول ولا يعرف عن الحكومة وآليات عملها الكثير ولايبدو أن أربع سنوات قد علمته الكثير. ولهذا، ومع أنه سيخرج، الا أن الضرر بالحزب الجمهوري قد حدث بل ان ترمب نفسه قد يقود حركة أنشقاق داخل الحزب وهي من النوادر في تاريخ أمريكا.
وفي كل الأحوال لن ينجح الديمقراطيون في الحصول على ثلاثة أرباع الأصوات داخل مجلس الشيوخ حتى وان تمكنوا من جمعها في مجلس النواب الذي يسيطرون عليه فعلا وضيق الوقت (ترمب وفق الدستور سيغادر يوم 20 يناير) يجعل من اي محاولة لعزلة فاشلة قبل أن تبدأ.
هل سيحصن ترمب نفسه في أخر دقيقة؟
يحق للرئيس اعفاء من يشاء وفق سياق محدد ويُقال ايضا انه يستطيع أن يعفو عن نفسه ولكن هذا الأمر محل خلاف قانوني وجدل دستوري ولا توجد سابقة له ولكن لا يمكن أستغراب امرا كهذا من رجل كترمب.
الجزء التالي: ماذا تبقى من الجمهوريين وماذا ترك لهم ترمب؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى