محليمقالات

في المصطلح السياسي ودلالته: من الكلبتوقراطية والنخبة والإلغراش الي الكلاب الضالة والجرذان

بقلم | مصطفى الفيتوري

لفت نظري الجرأة التي تحلت بها السيدة ستفني ويليمز والتي كثيرا ما أجد في تصريحاتها ما يلفت النظر حتى بمعايير الأمم المتحدة. ما قالته مثلا، وهي لاتزال في منصبها، عن النخبة السياسية الليبية التي تتعامل معها يعتبر وصف دقيق وصادق ولكنه أيضا نادر من مبعوثي المنظمة الدولية أكانوا في الصومال أو العراق أو أفغانستان! حتى الجرئ الدكتور سلامة لم يتجرأ كل تلك الجرأة بينما كان على رأس عمله وحتى بعد خروجه ما يزال متحفظ في كلامه ويفضل الكلمات الدبلوماسية على المصطلحات السياسية المكشوفة أو التصريحات البيّنة والتي لا تحتاج الي تفسير بأستثناء مرة واحدة وكان دقيقا وكاشفا ومحددا حين أستخدم كلمة “النهب” بدل الإختلاس أو السرقة لوصف حالة المال العام في ليبيا وهو وصف دقيق جدا ومحددا جدا وموجع جدا!
ومن أبرز تصريحات السيدة الجريئة ستفني وليمز مثلا قولها أن ليبيا بها 20 ألف مرتزق يسيطرون على 10 قواعد عسكرية دون اي تدخل من الليبيين! ووصفها للنخبة التي تتعامل معها (خاصة البرلمانيون/حكومة الوفاق/مجلس الدولة/ الأحزاب السياسية) بأنهم “ديناصورات” وأخيرا أستخدمت مصطلح أكثر بشاعة حين وصفتهم بأنهم “كليبتوقراطيين” (Kleptocrats). فماذا تعني؟
الديناصور السياسي: هو السياسي الذي أطال البقاء في مكانه (الحكومي/الحزبي/النفوذ) وأستمر في تفكيره القديم (غالبا مستنبط من نظريات القرن التاسع عشر) لمعالجة المشاكل المعاصرة في القرن الـ21 وللكاتب والفيلسوف الأسترالي (تم دين Tim Dean) مقالة رائعة بعنوان “آن للديناصورات السياسية ان تنقرض
” والديناصور السياسي يستخدم السياسة والديماغوجية والشعبوية والخطاب السياسي التقليدي الموجهة لقاعدة شعبية تحبه وتؤيده في كل الأحول حتى مع انعدام أنجازاته. من الأسماء التي تحضرني الأن نيل كينك زعيم حزب العمال البريطاني الأسبق و اندرياس بابا أندريو رئيس الوزراء اليوناني الراحل وعدوه اللدود الراحل أيضا ميتسوتكس والد رئيس الوزراء الحالي والفرنسي ميتران ولكن ذات الوصف لا ينطبق على مهاتير محمد رغم توفر الصفات فيه ببساطة لأنه كان ديناصورا سياسيا ولكن أيجابي ومتطور! وفي الغالب هذة الديناصورات السياسية تنأى بنفسها عن الفساد المالي وسرقة المال العام ــ وأن أساءت أستخدامه لأغراض سياسية وليس شخصية. ديناصورات ليبيا شدة عن كل قاعدة الا الامعان في الفساد والنهب واتخاذ الدولة تكيةــ وهذا يقودنا الي المصطلح الثاني:
الكلبتوقراطي: وهو مصطلح سياسي يوناني الأصل ومنه كلمة الكليبتوقراطية وهذة صفة للسلطة (الحكام) التي تسرق أموال الدولة مستخدمة نفوذها السياسي (النفقات الخاصة مثلا) وأيضا تسئ إنفاق تلك الأموال وأن كان ضمن ميزانية الدولة. وهؤلاء ليسوا بالضرورة ديناصورات سياسية ولا حتى نخب أحيانا اذا يكفي أن يصل احدهم (يفضل أن يكونوا مجموعة تجمعهم المصلحة دون أتفاق علني بل تفاهم ضمني) الي السلطة ولو لفترة محدودة ليمارسوا الكلبتوقراطية (مثال ليبيا الآن: يوجد أتفاق ضمني بين البرلمان والوفاق وحفتر والدولة والرئاسي ــرغم العداء الظاهرــ لإستمرار الوضع الحالي. أما بخصوص فترة البقاء في مركز النفوذ السياسي يكفي للبعض مثلا أن يصل الي الوزارة لمدة أسبوع ليسرقوها!) كانت هناك بوادر ظهور الكلبتوقراطية أثناء رئاسة ترمب اذ أتى بأناس لديهم الأستعداد لذلك منهم وزير الدفاع الأسبق الذي أستخدم طائرة عسكرية ليقضي أجازة في أوربا برفقة زوجته بكلفة تجاوزت 40 ألف دولر. وللمصطلح هذا مرادفات اخرى غالبا له بُعد أيدلوجي وليس بالضرورة تاريخي منها مثلا حكم الأغنياء (بولتوكرسي ـ plutocracy) وحكم الأقلية الغنية “النخبة” أو oligarchy أي اوليغارشي وهي الأقلية القليلة جدا المدعومة ماليا وغالبا ما يشكلون مع السياسيين لوبي غير معلن يساعد الإثنين على البقاء في مواقعهما وليسوا بالضرورة فاسدين ماليا وليسوا بالضرورة أصدقاء اذ قد تجمعهم المصلحة التقليدية بين السياسة والمال. وقد استخدم المصطلحان،في الإعلام الغربي، “كلبتقراطية وأوليغارشي” كثير في وصف حكم بوتن لروسيا منذ وصلوه اليه. وهما اتذكر ان للقذافي رحمه الله، وبصراحته المعهودة وقوة خطابه، صك مصطلحاته الخاصه وغالبا لا يستخدم أي من المصطلحات السياسية في وصف الأعداء بما فيها تلك السائدة في الفكر السياسي العربي مثل “القطط السمان” وهنا يحضرني مصطلحان وهما:
الكلاب الضالة: وهو وصف شامل وغالبا ما يُطلق على الذين مارسوا المعارضة السياسية للقذافي من الخارج. وهم ليسوا أثرياء اذ ان المصطلح يحمل في طياته ضمنيا وصفهم بأنهم فقراء كونهم كـ”الكلاب الضالة” التي تعيش على الفتات وفضلات سواها! والتجرية الليبية في عمومها، بعد 2011، أثبتت ان أغلبية من أطلق عليهم الوصف أستحقوه عن جدارة وانا هنا اتأسف مرتين: مرة في أستخدام المصطلح والثانية في تحوله الي واقع معاش بعد أن وصل بعض أولئك الي السلطة أو حتى أقتربوا منها بعد عام 2011
الجرذان: وهذا ايضا وصف سياسي خاص بالحالة الليبية وأصبح للأسف جزء من مفردات الثقافة الشعبية بعد عام 2011 وله جذره الإجتماعي خاصة في بداية أحداث “فبراير” اذ كانت اغلب التظاهرات ليلية وهذا سلوك “جرذاني” محترف يلائم بئية تلك القوارض فهي تفضل الظهور ليلا! وأعتقد أن صاحبه يعني فئة محددة من الناس وخاصة القيادات التي تدعي الإسلام! وللأسف الشديد فإن المصطلح، وأن أستحقته القلة القليلة، الا ان تعميمه خطاءا فادحا كما استخدامه.
وفي رد الفئتين السابقين استخدموا مصطلح
الأزلام: كنقيض للاثنين السابقين (الكلاب الضالة بدرجة أقل والجرذان بدرجة أكبر) مصطلح الأزلام ــ وأن شئت أن تكون أكثر أنسجاما مع الثقافة الشعبية يناسبك رديفه “الطحالب” ــ وهذان يطلقان على قطاع واسع من الليبيين (الأغلبية) لأنه يصف من عملوا في الدولة بين عام 1969 وعام 2011 وأن كان الإستخدام الشعبي غالبا لا يعني هذة الفترة الطويلة. الا ان الثقافة الشعبية بخيلة في أستخدام أي من هذين في مقابل كرمها في أستخدام نقيضهما “الكلاب الضالة والجرذان” كلا حسب الحاجة والزمن!
بقي أن أقول:
هذا مجرد تأطير للمصطلحات السياسية ليس الا. وحبذا لو ان الباحثين في علم الاجتماع يتصدون الي موضوع المصطلح والشتيمة السياسية في “الثورة” الليبية التي نقرب من عيدها الدامي العاشر!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى