دوليمحليمقالات

معضلة العقوبات الغربية ضد روسيا.. مهددات الاستقرار الاقتصادي الروسي.. والآثار العكسية المتوقعة

بقلم/ محمد الأمين

معضلة العقوبات الغربية ضد روسيا.. مهددات الاستقرار الاقتصادي الروسي.. والآثار العكسية المتوقعة

تحدث الكاتب محمد الأمين عن رد الفعل الأوروبي والأطلسي على العملية العسكرية ضد أوكرانيا، وذلك في مقال رأي جاء فيه ما يلي:

الرد الأوربي والأطلسي على العملية العسكرية الخاصة التي أمر بها بوتين في أوكرانيا شمل عدة مجالات، منها ما هو اقتصادي وسياسي وعسكري ومنها ما هو دعائي وإعلامي.

بالتزامن مع الحرب الإعلامية والدعائية المركزة التي يقودها الإعلام الغربي ضد العملية الروسية ضد أوكرانيا وضد القيادة السياسية الروسية، فإن حُزم العقوبات التي فرضتها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على المستوى الاقتصادي والنقدي بالخصوص، تشكل خطورة بالغة على الاستقرار المالي والسياسي والاجتماعي الروسي، لكنها ستكون ذات تداعيات حتمية وغير قابلة للمحاصرة على الذين فرضوا هذه العقوبات.

فبعد استبعاد خيار العقوبات النفطية، والتي يمكن أن تعود بالوبال على أصحابها، حيث سيصبح بإمكان بوتين ودول أوبك المصدرة للنفط، والمصدرة للغاز، بيع نصف الكميات التي ينتجونها بأضعاف سعرها الحالي بسبب الارتفاع الصاروخي المتواصل لأسعار للخام الأسود، تجري حاليا مناقشة خيار إقصاء روسيا من نظام “سويفت” للتحويلات المصرفية وهو ما يعني حرمان موسكو من تدفقات مالية هامة، ويعني إرباكاً وفوضى عارمة لنظامها المالي والمصرفي، واضطرابا شديدا للسوق المحلية وانفلاتا في أسعار المواد الاستهلاكية والمعيشية داخل روسيا وحليفها روسيا البيضاء..

لكن خيار طرد الروس من “سويفت” وعزلها عن النظام المالي العالمي، سوف يعني اضطرابا مماثلا في القطاع المصرفي لدول أوروبية كثيرة في صدارتها ألمانيا وإيطاليا ودول أخرى في غربي القارة وشمالها لن تستطيع دفع ثمن ورادتها من الغاز الروسي، وبالتالي ستواجه قرارا روسيا بإيقاف تزويدها بهذه الطاقة الاستراتيجية!! وهذا يجعل من الخيار المذكور مشكلة خطيرة يمكن أن تسبب انهيارات اقتصادية أوروبية مؤكدة. هذا دون أن نتحدث عن النفوذ المالي والاقتصادي الكبير للأثرياء الروس وأصدقاء بوتين وحاشيته وأقاربه في أوروبا، وفي بريطانيا التي يبلغ مجموع ثرواتهم فيها 343 مليار دولار، وفي البلدان الأخرى حيث يمتلكون وسائل إعلام كثيرة ونوادي رياضية ويستثمرون في العقارات والإنتاج الفني والتقنيات والطاقة.. وقد يستغل الأوروبيون هذه المعطيات لتسليط عقوبات على كافة المقرّبين من بوتين، لكنهم كذلك قد يكونون عرضة لتداعيات مدمّرة.. 

أما على المستوى العسكري، فإن شحنات متزايدة من الصواريخ ومضادات الدبابات والطائرات ومعدات وذخائر دفاعية وأخرى خاصة بحرب المدن والاشتباكات داخل المناطق الضيقة والمأهولة بصدد التدفق نحو أوكرانيا، وهي تعني بشكل أو بآخر أن دول الناتو وحتى دول الجوار قد أصبحت معنية بالحرب وأن انخراطها في المجهود الحربي الأوكراني حتى لو لم يكن ميدانيا، فإنه سوف يؤدي إلى مزيد إغضاب بوتين كلما ازدادت مقاومة الأوكرانيين لقواته، وكلما زادت خسائره.. لن يبقى الأمر على هذه الشاكلة، لأن صانع القرار الروسي كان يعول على اجتياح سهل واستسلام سريع القوات الأوكرانية في المدن، ليسرع في تغيير القيادة السياسية واستبدالها بأخرى تكرس الأمر الواقع للسيطرة الروسية.. وحينئذ سيُضاف الهمّ العسكري إلى هموم مالية واقتصادية وأخلاقية وسياسية..

إن الإفراط في عزل روسيا وطول أمد الحرب -وعلى الرغم من كل تحضيراتها واستعداداتها واحتياطياتها- سيحشرها في زاوية ضيقة، وسيقلّص من قدرتها على المناورة، ويشحن أوضاعها الداخلية بما قد يدفع الشارع الداخلي إلى السخط على السلطة الحاكمة ويتسبّب في ذوبان ثروات الأغنياء وكبار المستثمرين ودافعي الضرائب. ولن نستبعد حدوث تصعيد انتقامي روسي يوسّع نطاق المعركة ويفرض فيها أمرا واقعا بدافع تفادي نتائج متوسطة المدى وبعيدة المدى للعقوبات.

إن العقوبات المشددة ضد بوتين قد تكون أشدّ تأثيرا لو صمد الأوكرانيون، لكنها ستعني دخوله نفقاً بلا نهاية في حال نجحت خطة الدعم الغربي لكييف واستعصت على القوات الغازية. وربما كان ثمن ذلك باهظا على العالم بأسره لو وصل الأمر إلى احتكاك عسكري مباشر أو تفاقم الوضع على نحو يجعل الناتو يتدخل بشكل أو بآخر في مجريات النزاع. وللحديث بقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى