محليمقالات

محمد الأمين يكتب// الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ووهم الحماية الأمريكية

محمد الأمين يكتب// الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وَوَهْم الحماية الأمريكية: لماذا تتراجع بعض الدول الرئيسية عن مواقفها إزاء روسيا؟ 

 

يحاول الفرنسيون والألمان، الإبقاء على لغة معتدلة وخطوط اتصال ساخنة مع موسكو ليس بسبب محبّتهم لبوتين، ولا لرضاهم عن غزو أوكرانيا، إنما لأنهم قد أيقنوا أن مقولة حماية الولايات المتحدة الأمريكية لهم في إطار حلف شمال الأطلسي هي حكاية بيع الوهم أو الهواء المعلّب. وأن الأمريكيين إنما يستغلون تشابك خيوط منظومة الأمن الأوروبي بشكل ماكر وخبيث لإبقاء قارة بأكملها تحت نفوذهم دون أن يكلّفهم ذلك شيئا على الإطلاق.

هذه الدول التي اهتمت بالجانب الاقتصادي وانشغلت بتحقيق الرخاء، وخفّضت إنفاقها العسكري معتمدة تماما على الحامي الأمريكي، قد باتت اليوم موقنة أشدّ اليقين بأن الأمريكيين لن يفعلوا شيئا لحمايتها فيما لو تعرضت إلى عدوان روسي.. بل إلى أي عدوان تشنّه قوة نووية ولو كانت الصين.. لأنه قد بات من الواضح أوّلا أن الأمريكيين قد فقدوا حماستهم للتدخلات العسكرية بل للمغامرات العسكرية المباشرة. وثانيا، أن الحليف الأمريكي قائد حلف الناتو ربما لا ينظر بعين الارتياح إلى القوة الاقتصادية الأوروبية الموحدة تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، بدليل حماسة واشنطن لانسحاب البريطانيين من الاتحاد (بريكست)، وأنه لا يجد كبير حرج في الدفع بالدول الأوروبية “الحليفة” نحو قطيعة تجارية واقتصادية وسياسية كبيرة مع موسكو لكي يستغلّ حاجة الأوروبيين للطاقة فيبيعها لهم بأضعاف مضاعفة..  وقد بات الامريكيون اليوم أشدّ حرصا من بوتين على استمرار الحرب لأجل السيطرة على حلفائهم وإحكام القبضة عليهم تحسّبا لأية متغيرات جيوسياسية أو تبدّلات في خارطة التحالفات والمصالح.

يتحدث الأكاديميون والعسكريون المتقاعدون هذه الأيام بصراحة عن خيبة أملهم في وهم الحماية الأمريكية للأوروبيين.. ويؤكدون أن تبعيتهم السياسية لواشنطن قد كانت في جزء منها اختيارية دافعها الاطمئنان للحماية الأمريكية الدائمة والرضى بتحمّل التضحيات المالية.. لكنهم بعد التجارب الأخيرة، واليقين بأن الأمريكي قد خذل حلفاء له في أفغانستان، حيث ترك الحكومة الموالية له تواجه مصيرها الذي رأينا.. وترك العراق فريسة لإيران.. وتقاعس عن ضرب بشار الأسد وفتح باب المبادرة أمام الروس على مصراعيه لإنقاذه.. وخذلانه للكيان الصهيوني في مواجهة حزب الله والمقاومة الفلسطينية المسلحة.. وخذلانه للأوكرانيين بعد أن دفع بلدهم إلى جحيم حربٍ ضارية وألقى بهم بين فكّيْ وحش هائج.. ترى الأوروبيين اليوم يعضّون الأصابع ندما على عدم تحديث قدراتهم والاستعداد للزلازل الجيوسياسية بالاعتماد على أنفسهم وليس على حليف مهزوز وغير موثوق.

لذلك لا نتوقع أن نرى تماهيا كبيرا مع الأمريكيين من جانب القوتين الرئيسيتين في الاتحاد الأوروبي باريس وبرلين. ولا نتوقع تصعيدا اقتصاديا من جانبهما ضد موسكو باعتبار أن ذلك بالإضافة إلى كونه سيزيد من تأجيج الوضع مع الروس، فإنه سيقدّم اقتصادياتهم إلى الأمريكي لـ  ينتف ريشها كما يريد ويشتهي.

لا ننسى أن الميزان التجاري غير المتوازن بين الأوروبيين والصينيين، وبين الأوروبيين والقوتين الآسيويتين اليابانية والكورية الجنوبية سوف لن يجعل الفرنسيين والألمان بشكل خاص يجازفون بمزيد المخاطر لتحقيق أهداف واشنطن في كييف وموسكو.. وسوف تتمايز مواقف الدولتين بشكل لافت عن مواقف بلدان الشطر الأوروبي الشرقي الأعضاء في حلف الناتو، والتي هي دول ضعيفة لا تمتلك مقومات من القوة أو القرار أو الرخاء..

وبالمحصّلة، فإن استمرار الحرب سوف يكشف المزيد من التباينات بين واشنطن وحلفاءها، وقد تنتهي باضمحلال حلف الناتو العاجز تماما أمام التحدي الروسي الحالي. هذا الأمر سوف يدفع بلدان أوروبا الرئيسية إلى البحث عن منظومة تكامل أخرى تحرّرها من التبعية لواشنطن، وتخلّصها من “المنّ والأذى” الأمريكي الذي لا يترك مناسبة دون أن يذكّرها بفضله و”حمايته” رغم أنه يكبّدها مليارات الدولارات ويكبّلها باتفاقيات تجارية واقتصادية سالبة للسيادة ارتضتها لكي تتمتع بحماية ثبت اليوم أنها مجرد “غطاء معنوي” شفاف لا فعالية له على أرض الواقع. وللحديث بقية. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى