محليمقالات

ليبيا ضمن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة: العصا والجزرة مجددا

يحاول الأمريكيون المتورطون جيوسياسيا في حالة تقارب الـ”عصيان” تعتري حلفاءهم الإقليميين، استعادة السيطرة بشكل سريع فيه من المراوحة بين التودّد والغطرسة الشيء الكثير ممّا اعتدنا عليه في السياسات الأمريكية عبر تاريخها المعاصر.

وآخر ما يشتغل عليه الأمريكيون في ليبيا لا يشذّ عن القاعدة الي ذكرت، فإعادة الآثار الليبية المنهوبة، والحديث عن التعاون الثقافي، وصَوْن الموروث الأثري الليبي واستعداد واشنطن لدعم ليبيا في هذا المجال الذي سيعزز “السياحة”، ويضاعف فرص ليبيا في تنويع مصادر عائداتها ويمنحها إشعاعا ثقافيا، بالإضافة إلى العمل على تحقيق توافقات سياسية سريعة ظهرت في اللقاءات الهامة التي أجراها على مدى الأسبوع الماضي السفير الأمريكي ريتشارد نورلاند مع مصطفى صنع الله ومع الصديق الكبير،،، كلّ هذا يؤكد إصرار واشنطن على الإمساك بكل الأوراق، تنفيذاً لقانون دعم الاستقرار في ليبيا الذي اعتمده الكونجرس الأمريكي في نهاية سبتمبر 2021، والذي نلاحظ تصاعد وتيرة تنفيذه منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا.

ما يجدر التأكيد عليه هو أن تفريط أية قوة عالمية في رقعة استراتيجية بأهمية ليبيا ومساحتها وامتدادها على المتوسط، وفي ومواردها الطبيعية، سيكون عملا متهورا وساذجا وهديّة إلى الخصوم في هذا السياق العالمي الملتهب.

ومن المهم أن نعي أن الأمريكيين أو غيرهم لا يحتملون الدخول في مشاكل وتعقيدات مع المكونات الليبية تؤثر على مستقبل مصالحهم في ليبيا، لكنهم كذلك لن يسمحوا بالمقامرة بهذه المصالح فيتركوها مرهونة بأية تطورات أو تقلّبات محتملة.. لذلك، فإننا نتوقع المزيد من الإصرار الأمريكي على الاستئثار بليبيا خلال المرحلة المقبلة. وستتأجج حرب التموقع بشكل شرس بين الأمريكيين وكافة اللاعبين الطامحين إلى الحصول على نصيب من كعكة الموارد والاستثمارات والقواعد ومشاريع إعادة الإعمار.

وعلى الرغم من أننا نتوقع أن تكون الحرب الروسية على أوكرانيا بداية لمرحلة قطبية جديدة، ومتغيرات جيوسياسية واقتصادية تهم توزيع خارطة الهيمنة والتحالفات، إلا أننا لا نرجّح أن ينعكس ذلك بسرعة على المشهد العالمي والإقليمي، وخصوصا منطقة المتوسط وإقليم الساحل والصحراء. وستعيش هذه المنطقة تداعيات سريعة لإعادة فرض الأمريكيين سيطرتهم على أوروبا بالكامل بعد تموقعهم بشكل رسمي في شطرها الشرقي..

ولذلك، فإن الحديث عن ضرورة بحث ليبيا عن حماية أو تحالف مع القوى الناشئة المنافسة لواشنطن، وصياغة سياساتها وخططها للعشرية القادمة على هذا الأساس، أو عن إمكانية قيام الليبيين بذلك، في الوقت الراهن، يحتوي على الكثير من المبالغة في تقديري.. فأقصى ما يمكن لهذه القوى بعد الحراك الأمريكي الذي نراه، هو أن تكون منافسا صغيرا لواشنطن في ليبيا. وهذا ينسجم كذلك مع التأكيد بأن من السطحية بمكان أن نتوقع انهيارا وشيكا للتأثير الأمريكي عبر العالم، أو انحسارا قريبا لنفوذه، بينما نتوقع العكس لمنافس روسي ينزف بسبب الحرب، وسيبقى تحت سيل من العقوبات وحصار شرس لأمد لا نعلم مداه، أو لخصم صيني متردّد يعي جيدا أنه التالي على قائمة الاستهداف والمحاصرة!!

إن الأمريكيين لا يخوضون حربا على أراضيهم.. ولا يكابدون أية مشاكل بسبب تأثيراتها.. بل تحوّلوا إلى مصدّر عالمي رئيسي للغاز والنفط.. وهم على أبواب طفرة تاريخية في صادراتهم العسكرية بعد أن أمروا شركاءهم الأوروبيين في الشرق والغرب “بإخلاء مخازن سلاحهم القديم” والزجّ بها إلى الساحة الأوكرانية تحت عنوان المساعدة من أجل دحر الغزاة الروس..وقد جرى إغراق أوكرانيا بالفعل بالسلاح الروسي والأمريكي جنباً إلى جنب!! ربما لتجريب مدى فاعلية كلّ منهما ضدّ الآخر!!

وستدخل الكتلة الأوروبية الخاضعة للنفوذ الأمريكي بالنتيجة في سباق محموم ضد الساعة لتحديث أسلحتها ومنظوماتها الدفاعية وتعزيز ترساناتها الهجومية، ولن تشتري من موسكو أو بيجين أو نيودلهي بلا شكّ!! فكيف سينهار الأمريكيون بعد أن تتدفق شلالات الأموال على شركات التصنيع العسكري من الدول الصناعية الغنية المنافسة؟؟ وكيف ننتظر تغيرا دراماتيكيا قريبا في وجود الأمريكيين أو سيطرتهم في ليبيا؟ فالعقل والمنطق يؤكدان بأن العشرية المقبلة في ليبيا ستكون أمريكية بلا جدال.. وللحديث بقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى