دوليمحليمقالات

عشرية بلينكن

بقلم// محمد موسى

عشرية بلينكن 

هكذا إذن ، أصبح مصير ليبيا مرهون بتغريدة على تويتر لوزير خارجية أمريكا ..

هكذا إذن ينام الليبيون ويستيقظون ليجدوا أنه خلال فارق التوقيت بين القارتين ثمة من شطبهم من الوجود واعتبرهم حفنة من الصغار يلعبون في ساحة ليست لهم بل هي حديقة خلفية أخرى للولايات المتحدة التي ستضع لهم جدولا للمباريات مدته عشر سنوات وستعين لهم حكاما للمباريات وستحدد لهم من يلعب في هذه الساحة ومن يمنع من اللعب ومن سيقف على المدرجات ليتفرج ومن سيمنع حتى من الفرجة ..

هكذا إذن يقرر السيد بلينكن أن يشعل ضوء الغرفة فجأة بعد عشر سنوات من الظلام الدامس أعقبت النكبة المشؤومة كي يرى الليبيون والليبيات أنفسهم على الطبيعة ، وفي حين احتفظت الأغلبية المجردة من السلاح  بثيابها رغم سواد الليل و حلكة الظلام الطويل فإن أقليات ذات سلطات بانت عوراتها وطفقت كل أقلية حول كل سلطة تحاول ستر عورتها بكلمات ليست كالكلمات كما قال نزار قباني ذات غزل ، وإذا أصحاب الذقون وقادة العصابات المسلحة والمتصرفون في الفلوس وذوي الرؤوس الممتلئة بتصريحات جوفاء كل يوم وحملة الأوسمة والنياشين ممن تعلو رؤوسهم نجمات حصلوا عليها بالواسطة إذا بهم جميعا عرايا في الغرفة المضاءة التي أعلنها بلينكن أنها مجرد غرفة أخرى مجاورة لموزمبيق وبابوا غينيا الجديدة وهايتي ومحميات أخرى في ساحل أفريقيا الغربي ..

ولقد مرت خمسة أيام على تصريح بلينكن الذي وضع فيه يد امريكا على ليبيا ونحن نرقب ردود فعل البشر الذين كنا نحسب مشكلتنا معهم تتعلق بأسلوب إدارة الدولة ونظن أن خلافنا معهم إطاره رؤية كل منا للوطن الليبي ودوره ورسالته ورغد عيش مواطنيه وصون حقوق أجياله الآتية ، كنا نظن بل كدنا نقنع أنفسنا أن هؤلاء المخالفون لعرف السيادة والحرية والديموقراطية الحقيقية ديموقراطية الجماهير لا النخب ، أنهم أطياف أخرى في المجتمع الليبي لا مناص من الالتقاء بها ولا جدوى من القطيعة معها ولا لغة واجبة ازاءها سوى لغة الحوار ..

ثم أعلن بلينكن عن وضع امريكا يدها على ليبيا للسنوات العشر القادمة فإذا بهؤلاء ربي كما خلقتني ، لا ينبسون ، لا يوميء أحدهم ولو بجفنه ، يبتلعون ريقهم ومع ريقهم يبتلعون كلمات بلينكن في صمت تخلو منه حتى القبور ..

اين الذين كانوا يتراقصون في الساحات في 2011 ويهتفون قولوا لمعمر واعياله ليبيا فيها رجالة ؟ اين الذين كانوا يصفرون فوق أسطح منازلهم كلما سمعوا أزيز طائرات النيتو القادمة لقصف قوات الشعب المسلح ؟ اين الذين كانوا يقولون لليبيين والليبيات أن معمر كان طاغية وان النبي محمد لو كان موجودا لما وسعه إلا أن يضع يده في يد حلف النيتو ؟ ها هم اليوم يثبتون لنا أنهم ليسوا رجالة ، وان صفيرهم وتصفيقهم على الأسطح قد أضاع وسيضيع أجيالا من الليبيين وان الطاغية الحقيقي كان كل واحد منهم طغى على وطنه لحساب الامريكان والطليان والفرنسيس والانجليز وان النبي محمد منهم براء ..

ولكن بلينكن صاحب العشرية لا يعرف أن في هذه الأرض لم يزل رجال يؤمنون بالله ويعرفون قدرها وقدر أنفسهم ويفهمون لغة القوة التي يتحدث اليهودي الصهيوني بلينكن بها كما كان يتحدث جنرالات فرنسا في الجزائر وجنرالات امريكا في فيتنام ، ويدركون جيدا موازين القوى في القارة الليبية وفي قارات العالم من حولها وبناء على إيمانهم و معرفتهم وفهمهم لتلك الموازين سيحددون هم لا غيرهم ليبيا لمن وبمن .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى