هل يمكن أن نرى نسخة ليبية من “التدابير الاستثنائية” التونسية في ليبيا؟
تحركات المجلس الرئاسي وتعهداته المتكررة بتنفيذ الانتخابات بموجب وبدونه، وتجديده الالتزام وراء الالتزام بإجرائها كلما طُلب منه ذلك وحتى إن لم يطلب.
..والتنافر الشديد الذي بدأ خلال الساعات الأخيرة يتغلغل في جسم المنظومة غير المتجانسة أصلا..
..وتعالي الأصوات بضرورة الإصغاء إلى الشعب، وعدم الالتفاف على إرادته، وتمكينه من حقّه في الذهاب إلى الاقتراع في أقرب الآجال، قبل أن يهبّ بعنف ويهاجم الطبقة السياسية بأكملها..
..وهذا الاستفحال الشديد للعبث السياسي والمراوحة التي تشبه ترنّحا يمهّد لسقوط حرّ لكامل عناصر المشهد في حالة احتراب أعمى تظافرت أسبابه واكتملت أشراطه ولا تتوافر بعدُ أدواته، وربما بدأت في التوافر مع زحف رتل صلاح بادي وشركائه نحو العاصمة منذ مساء يوم أمس..
..والصورة النمطية التي رسّخها جماعة المجلس الرئاسي عن مجلسهم بأنه كيان “تشريفاتيّ/بروتوكولي” غير فعاّل، يقوم عليه أناسٌ متردّدون حشرهم شركاؤهم في السلطة التنفيذية داخل مربّع العجز، وانتزع منهم “المجلسان(النواب والدولة)” معظم الصلاحيات عُنوة فحُبسوا في قُمقُم ضيق بلا مخارج..
..ومع الارتباك الشديد الذي صار يطبع أداء المستشارة الأممية ستيفاني واضطرّها إلى التنازل في غير ذي موضع، سواء فيما يتعلق باستضافة القاهرة للمحادثات المرتقبة، أو بامتداحها عقيله صالح بعد جفوة علنية..
..وسط كلّ هذا، تتضافر المعطيات بكثافة حول نيّة محمد المنفّي وجماعة المجلس استنساخ السيناريو التونسي بإعلان حلّ المؤسسة التشريعية والاستيلاء على كامل السلطة التنفيذية، وإعلان الدخول في مرحلة انتقالية أخيرة قوامُها الحكم بالمراسيم قبل الذهاب إلى انتخابات شاملة.. بينما يروّج البعض الآخر لفكرة تعيين الرئاسي رئيس المجلس الأعلى للقضاء كي يتولى رأس السلطة التنفيذية بشكل مؤقت إلى حين تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة (النموذج المصري)..
القاسم المشترك بين وضع المنفّي والرئاسي وبين حالة الرئيس التونسي قيس سعيّد أن كلاًّ منهما لا يتمتع بصلاحيات موسّعة كي يقوم بدوره في ظل المشهد الذي استهدفه بالتغيير.. وأن كلاّ منهما قد اُبتُلي برئيس حكومة متغوّل.. وبسلطة تشريعية فاقدة للشرعية الشعبية وللمشروعية الدستورية.. حيث سقطت الأولى بالتقادم وانتفت الثانية بغياب الدستور!!
نعلم جيدا أن محمد المنفي وجماعة الرئاسي قد يفكرون في مثل هذا السيناريو الذي له مسوغات كثيرة، لكنهم يفتقرون إلى الأدوات الصلبة، أي إلى قوة موالية كافية لردع الخصوم الآخرين.. كما تعوزهم الإرادة السياسية و”القلب الميّت” للدخول في صراع على أكثر من جبهة ربما انتهى إلى ما لا يُحمد عقباه..
لكن العامل الرئيسي الذي قد يعجّل بحدوث مثل هذا السيناريو في تقديري هو العامل المالي.. ففي ظل ”تجفيف منابع” الأجسام الراهنة بتجميد التصرف في عائدات النفط والغاز.. ويقين الجميع بأنهم لن يتحمّلوا هذا الوضع طويلا.. فإننا لا نتوقع أن تستمر الأمور على الشاكلة التي نراها.. بل إننا نكاد نجزم بأن مواجهة قد تكون على وشك الاندلاع بسبب المال.. ولا عجب.. فقد احترب هؤلاء من أجل المال.. وتصالحوا من أجله.. وخاضوا غمار الترشيح للانتخابات لأجله.. وعرقلوا الانتخابات لأجله.. وسيهاجمون بعضهم غدا لأجل المال أيضا.. والله المستعان،، وللحديث بقية.