محليمقالات

محمد أحمد يكتب// ميزانية 2022 وموازنة 2023 الطريق المسدود في ليبيا

محمد أحمد يكتب// ميزانية 2022 وموازنة 2023 الطريق المسدود في ليبيا 

 

تختلط كثيرا المفاهيم عند مناقشة الموازنات والميزانيات نظرا لتقارب الحروف الهجائية في الكلمتين، وهذا راجع لأول ترجمة للمعاني من اللغة الإنجليزية، فبينما في الأصل المحاسبي:

الموازنة هي Budget و تعني تخصيص مبدئي لموارد مالية لأغراض صرف معينة في بداية الفترة (سنة زمنية عادة) والتوقع بأي فائض أو عجز يتم على ذلك وبهذا فأن المخطط يجب أن يراعي أهمية الغرض المنفق عليه المال في تحقيق استقرار مالي للفترة التالية وبهذا فهو يبرر أما الاستدانة في حال العجز أو ينبه للفائض في حال الوفرة.  عليه من يقوم بوضع الموازنة هم في العادة أما اقتصاديون أم خبراء تمويل ليعملوا على تجنيح الاثقال بين المخصصات والاغراض لتحقيق التوازن الاقتصادي والمالي. 

الميزانية Balance Sheet هي الحساب الختامي للإنفاق مقابل الإيراد نظريا بدون الرجوع إلى أصل الموازنة المعتمد في بداية السنة ألا من ناحية المقارنة بغرض تسجيل الانحراف عن المخطط. وأظن أن اللغة الإنجليزية كانت ناجعة جدا في التمييز الحرفي بين المفهومين لمنع اختلاط المفاهيم عن عمد أو بدو عمد.  

جميع المنظمات عالميا بما فيها حكومات الدول والشركات الخاصة والمنظمات الدولية والمنظمات الإنسانية وعصابات المافيا تحرص على أن تعمل بهذه الازدواجية لأنها أثبتت أنها أفضل طريقة لتحقيق الكفاءة المالية والإدارية، وبعكس المنظمات الشرعية فأن عصابات المافيا في العالم الموازي لا تحرص على نشر دفاترها علنيا، أما البقية فأن النشر العلني هو جزء أصيل من عملية الموازنة والميزانية لرصد الانحرافات وتصحيحها في الفترات التالية.

النشر الجزئي العمدي للمعلومات المالية غير الناضجة المتصلة بالميزانية من قبل مصرف ليبيا المركزي عن سنة 2022 أصبح يشير إلى عيب أخلاقي خطير في النظام المالي الليبي.  هذا العيب لا أظن أن المؤسسات الشرعية بالمجتمع الدولي يمكن أن يبتلعه بسهولة. ففضلا عن عدم وجود موازنة لسنة 2022 معتمدة قانونيا من السلطة التشريعية فأن المؤشرات الختامية للميزانية “غير القانونية” كذلك تشير بوضوح إلى أخطاء جسيمة في التخطيط للصرف في سنة 2022 بدون موازنة شرعية.  

العيب الأخلاقي يكمن تفصيلا في عدم وجود أي معيار يمكن للمجتمع الدولي أن يقيس به كيف تم التصرف في الأموال التي قام بتحويلها إلى المؤسسة المالية الليبية عن طريق استيراد النفط من الدولة الليبية أساسا.  مثلا ما هي المؤسسات والجهات التي يتم تغطيتها بالتمويل الحكومي وهل هي شرعية أساسا لتلقي المال العام، وكيف تم التصرف في المال العام وفقا لحسابات ختامية معتمدة. 

النشر الأخير لبيان مصرف ليبيا المركزي عن الايراد والانفاق في سنة 2022 في رأيي الشخصي يعني أن ليبيا وصلت إلى الطريق المسدود في المجال المالي Dead-end، وأتوقع أن المجتمع الدولي عليه أن يتخذ إجراءات ربما ستكون قاسية في هذا الصدد.  

جميع الدول بما فيها النفطية وصلت إلى إقرار موازنات لسنة 2023 وبدأت تطبيقها بينما تستعد لإقفال دفاترها عن سنة 2022 وهي تحتاج لفترة لا تقل عن ربع سنة لإنجازها في العادة، الغريب في الأمر أنه يبدو وفقا لبيان المركزي أنه تم اقفال حسابات سنة 2022 افتراضيا وبدون أي توثيق وتم نقل أو ترقية المعلقات من سنة 2022 إلى سنة 2023 بدون أي حسابات ختامية عن سنة 2022، وهو ممارسة لا تتم ألا في أنظمة العالم الموازي لنقولها بصيغة أكثر تهذيبا. 

وحيث أن إنجاز هذه المعاملات يتوقف عليه أمور حياتية مهمة للشعب الليبي أهمها المرتبات، الدعم، التعليم، الصحة فأن التأخير في اعدادها سيترتب عليه عثرات متعددة للاقتصاد الوطني والاستقرار المجتمعي فيجب على النخب الليبية السياسية والفنية اعلان حالة طوارئ فكرية لفتح الطريق المسدود الذي وصلنا إليه أخذا في الاعتبار أن المجتمع الدولي قد يتخذ قرارات تصل إلى تجميد العوائد النفطية في حال عدم الوصول الي حل معضلة موازنة 2023.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى