قال الدكتور محمد أبو سنينة، إن بنود الإنفاق والإيرادات التي نشرها المصرف المركزي، تحد من إمكانية تحليل هذه البيانات والاستفادة منها، وتقييم مدى التزام الحكومة بتحقيق مستهدفاتها.
وأضاف، أنه بالرغم من أن الافصاح عن بيانات الإنفاق والإيراد بالدينار الليبي وبالنقد الأجنبي مطلوب، عن الفترة من 1 أي الناير حتى 30 الطير أبريل الماضي، يسد فراغاً في البيانات المتعلقة بالمالية العامة وادارة موارد النقد الاجنبي، في اطار الالتزام بمعايير اعداد التقارير ومتطلبات الشفافية، الا أن نشرها دون تبيان المستهدف لكل بند من بنود الانفاق والايراد، خلال الفترة، يحدُّ من امكانية تحليل هذه البيانات والاستفادة منها، وتقييم مدى التزام الحكومة بتحقيق مستهدفاتها، والمحافظة على المال العام.
وأضاف أبوسنينة: وأيضا على الرغم من أن ماينشره مصرف ليبيا المركزي يمثل تدفقات نقدية يجب نشرها ضمن القوائم المالية للحكومة في نهاية السنة المالية، الا انها تمثل، في الواقع، التزامات صدرت بشانها أذونات صرف استلمها المصرف المركزي، وتم تنفيذها لصالح الحكومة، ولا توضح اوجه الصرف والمستفيد النهائي من هذه النفقات، وهوما ينبغي على وزارة المالية الافصاح عنه ونشره.
وتابع: بالرغم من كل ما يمكن قوله وملاحظته حول هذه البيانات، إلا أنه يمكن استنباط بعض المؤشرات، من خلال تقدير ومقارنة القيم المطلقة لهذه الإيرادات والنفقات، ومن أهمها :
أولاً : أن ما تظهره بيانات الإيراد ات التي بلغت 31.9 مليار دينار مقارنة بالمصروفات التي بلغت 24.9 مليار دينار من فائض في الايرادات، خلال الفترة، لا يعبر عن وفر حقيقي حققته الخزانة العامة في المصروفات، نظرا لوجود التزامات اخرى على وزارة المالية واجبة السداد، لم يتم الوفاء بها، تتمثل في مرتبات بعض الجهات التي لم يتم الافراج عنها، لمختلف الاسباب، وعدم صرف كامل علاوة الاسرة والاطفال المقررة قانونا من قبل المؤتمر الوطني العام منذ عام 2013 ، وديون صندوق الضمان، وغيرها من الالتزامات الأخرى.
ثانيا: تفتقر بيانات الانفاق العام ، وكذلك بيانات الإيراد العام للدلالة طالما لم يقابلها تقديرات للايرادات والانفاق المتوقعة او المبرمجة خلال الفترة، ولكل بند على حدة.
رابعاً : في غياب موازنة معتمدة للايرادات المتوقعة والنفقات المتوقعة خلال الفترة، ولكل بند على حده، تفقد هذه البيانات اهميتها كاداة للرقابة، ويفقد مصرف ليبيا المركزي دوره في مراقبة تسييل مختلف بنود الانفاق وفقا للحسابات التي يحتفظ بها لكل بند من بنود الانفاق، كجهة معنية بتنفيذ الميزانية العامة للدولة، وفقا لافضل الممارسات.
خامساً: طالما أن مؤسسة النفط تقوم بشكل مباشر باستيراد المحروقات، وعدم تضمين مصروفاتها ضمن اجمالى الانفاق العام، فهذا يعني أن الانفاق العام الفعلى اكبر بكتير مما تظهره هذه البيانات، وهذا الاسلوب في توفير المحروقات يشكل تشوها في الانفاق العام، حيث قد ينقلب الفائض الذي يظهره بيان الايرادات الى عجز خلال الفترة، وبهذا تفقد البرمجة المالية التي تعمل وفقا لها الحكومة المصداقية، وتفقد السياسة المالية دورها ضمن السياسات الاقتصادية والسياسات العامة للدولة.
سادسا : استحوذت الحكومات والجهات التابعة لها على 57% من مصروفات النقد الاجنبي، بينما لم تستحوذ المصارف التجارية “القطاع الخاص والافراد”، التي تتعامل مع الجمهور وتوفر النقد الاجنبي لمختلف الاغراض الاّ على 43% من مصروفات النقد الاجنبي، خلال الفترة، وهذا يشكل تشوها اخر في الاقتصاد، عندما تكون الحكومة ومؤسساتها هي المستهلك الرئيس لايرادات النقد الاجنبي الذى يتأتى عن تصدير النفط الخام والغاز، الذي يشكل المورد الوحيد للنقد الأجنبي.
سابعا : أن تحقيق عجز في إيرادات النقد الأجنبي المورد لمصرف ليبيا المركزي، مقارنة باستخدامات النقد الاجنبي والالتزامات القائمة بالنقد الأجنبي، وبما مقداره 8.8 مليار دولار، فذلك يرتب عجزا في ميزان المدفوعات، وعبئاً على احتياطيات النقد الاجنبي لدى مصرف ليبيا المركزي، واذا اقتصرنا على الايرادات النفطية التي تحققت خلال الفترة والتي بلغت 19.1 مليار دينار، أي باستبعاد الاتاوات التي تم تحصيلها وتخص سنوات سابقة، والتي تبلغ 10.3 مليار دينار، فستكون النتيجة عجز في الايرادات العامة مقارنة بالنفقات العامة خلال الفترة ، مما يعني ان الاقتصاد الليبي يعاني، في الواقع، من فجوتين، عجز في ميزان المدفوعات وعجز في موازنة الإيرادات والنفقات، بمعنى اخر يعتبر الاقتصاد في حالة أزمة، واوضاعه المالية غير قابلة للاستدامة.
ثامنا : طالما استمر ميزان المدفوعات في حالة عجز، منذ نهاية الربع الرابع من عام 2022 وحتى نهاية الربع الاول من عام 2023، سوف تزداد الظغوط على سعر صرف الدينار، ولن يتمكن المصرف المركزي من المحافظة على استقرار سعر صرف الدينار، في ظل تنامي الانفاق العام، وطلب الحكومة والجهات التابعة لها على النقد الاجنبي، الامر الذي يعني استبعاد امكانية مراجعة سعر صرف الدينار المعمول به حالياً، وتنامي الظغوط على الاحتياطيات بالنقد الاجنبي.
تاسعاً : تبين استخدامات النقد الأجنبي، تغطية 7.7 مليار دولار التزامات سابقة لجهات عامة، ويشكل هذا المبلغ 51% من اجمالى الانفاق بالنقد الاجنبي خلال الفترة، وفي اطار الافصاح والشفافية ينبغي تبيان تفاصيل هذه الالتزامات والجهات المستفيدة ، ولماذا لم تتم برمجتها خلال السنة، عوضا عن تحميلها على الفترة موضوع البيان، تفاديا للعجز الذي تحقق في ميزان المدفوعات.
عاشراً : يلاحظ قيام الحكومة والمصرف المركزي بسداد الالتزامات المقومة بالنقد الاجنبي التي ترتبت خلال سنوات سابقة والتي بلغت 7.7 مليار دولار، وسدادها دفعة واحدة ، وفقا لما تظهره استخدامات النقد الاجنبي خلال الفترة، في حين لم تقم الحكومة بسداد الالتزامات المترتبة عليها بالدينار الليبي خلال سنوات سابقة، وهو ما ينبغي معه على الحكومة الافصاح و توضيح سياساتها بهذا الخصوص.
إحدى عشر: يلاحظ أن استخدامات النقد الأجنبي للاغراض الشخصية تشكل 43% من اجمالى النقد الأجنبي المخصص لاستخدامات المصارف التجارية الذي تبلغ قيمته 6.55 مليار دولار، مما يعني يعني حدوث تسرب كبير في موارد النقد الاجنبي نحو الاغراض الاستهلاكية الشخصية والتي قد تنتهي لتغذية السوق الموازية للنقد الأجنبي.
اثني عشر : بلغت إيرادات النفط بالنقد الاجنبي الموردة لمصرف ليبيا المركزي، خلال الفترة ، حوالى 4.1 مليار دولار، في حين وصلت استخدامات النقد الاجنبي لدى المصارف التجارية 6.55 مليار دولار، خلال الفترة، مما يعني تحقيق عجز في الميزان التجاري، تاسيسا على المبدا النقدي، وعدم كفاية ايرادات النفط في مواجهة ما يتم فتحه من اعتمادات مستندية لتوريد السلع والمنتجات ومستلزمات الانتاج ، مما يهدد استقرار السوق وامدادات السلع، في ظل غياب واضح لاي سياسات تجارية في مواجهة هذا الوضع. ويعزز دور السوق الموازية في توفير النقد الاجنبي للاغراض التجارية، وتنامي نشاط السوق الموازية كتشوه اخر في الاقتصاد الليبي.


