محلي

خطرها على العشوائية 3 

خطرها على العشوائية 3

استعان الكاتب عبد الله عثمان بمقال الخبير الاقتصادي والمصرفي محمد ابو سنينة بشأن رفع الدعم عن المحروقات.

وكتب عثمان ليبيون ..

خطرها على “العشوائية” (3) ..

على ماكتبه الخبير الاقتصادي والمصرفي الكبير :

د. محمد ابوسنينة في 14 يناير 2024 في مقاله :

النص :

العنوان :

قضايا اقتصادية يغفل عنها المنادون برفع الدعم عن المحروقات :

– هناك من يعتقد ان المناداة برفع دعم الوقود او معالجته شىء جديد يحسب للمنادين به اليوم باعتباره يصب في اتجاه المحافظة على الموارد الاقتصادية ويعالج تشوه متأصل في الاقتصاد الوطني .

– نقول ان اول من تنبه لمساوي الدعم هم الاقتصاديون ، منذ التسعينيات من القرن الماضي ، وهم اول من نادي باصلاحه اصلاحاً اقتصادياً لايؤدي الى الاضرار بفئة عريضة من المواطنين وتعريض مستوى معيشتهم للتدهور ، لاسباب سوف ناتي على ذكرها لاحقاً ، وهو الامر الذي لم تتمكن من القيام به كل الحكومات السابقة ادراكا منها لخطورته .

– ينادي الاقتصاديون بالرفع التدريجي للدعم والتعويض العادل للمواطنين من خلال توفير البديل النقدي ( نقداً او في شكل بطاقات الكترونية مشحونة بقيمة الدعم ) كما تفعل الدول الاخرى .

– اذ يطالب الاقتصاديون بدعم من يستهلك المحروقات ممن يستحقه من الليبيين ( اصحاب السيارات والمصانع ) بدلا من دعم سلعة المحروقات في حد ذاتها ، الذي يجري تهريبها ، لان دعم السلعة يؤدي الى الافراط في الاستهلاك وعدم كفاءة المصروفات ، ودعم المستهلك مطلوب لان المستهلك سيفقد جزء كبير مماكان يتمتع به من فائض ( فائض المستهلك )، وان رفع الدعم عن المحروقات سيؤدي الى اعادة توزيع الدخل من المستهلك الى الجهة الحكومية التي تستورد المحروقات .

– بمعنى ان الحكومة ستوفر قدرا كبيراً من الاموال التي كانت تدفع دعماً لسلعة المحروقات التي يتم استيرادها .

– و علاوة على الانخفاض في فائض المستهلكين ، فان بيع المحروقات ( البنزين والديزل ) بالتكلفة الحقيقية سيؤدي الى ارتفاع تكاليف كل السلع والخدمات التي يدخل في انتاجها او تقديمها اي نوع من انواع المحروقات التي يرفع عنه الدعم .

– والاثر على التكاليف هو ليس كما يتصوره البعض ، من خلال قيام الجهة التي تقوم بنقل السلعة من مكان الى اخر أو سائق سيارة الاجرة الذي يتنقل داخل المدينة او بين المدن ، بحساب الزيادة في تكلفة نقل المواطن او الكيلوجرام الواحد من السلعة بقسمة اجمالى التكلفة على عدد الكيلوات المنقولة وتحميل الزيادة في التكلفة على السعر المعتاد للنقل قبل رفع الدعم ، وصولا الى تكلفة الكيلو الواحد ، ومن تم تحديد سعره بيعه للمستهلك ، بحيث تنخفض تكلفة النقل بزيادة وزن الكميات المنقولة .

– هذا الاسلوب المثالي لايجري تطبيقه على ارض الواقع في السوق الليبية ، نظراً لان اسعار النقل غير مقننة اصلا ، ولا تجري مراقبتها ، ( هل لاحظتم وجود عدادات في سيارات الاجرى ؟ ) ويصاحب تقديم خدمة النقل الكثير من عدم الكفاءة والمبالغة في سعرها .

– وفي الجزائر ، على سبيل المثال ، عندما قامت الحكومة برفع سعر البنزين بنسبة 45% وسعر الديزل بنسبة 38% ارتفعت تكاليف النقل بنسبة تراوحت بين 20% الى 50% ؛ فما بالك اذا تم رفع اسعار البنزين والديزل في ليبيا بنسبة 200% او اكثر ، حيث سيكون الاثر التضخمي مؤكداً .

– ولنا ان نتذكر الارتفاع الكبير الذي طرأ على اسعار تذاكر السفر في شركات الطيران بعد ان تم فرض ضريبة على مبيعات النقد الاجنبي بنسبة 138 % خلال فترة حكومة الوفاق .

– لذلك نؤكد دائما على اهمية وضرورة دراسة اثر رفع الدعم على تكاليف الانتاج وتكاليف النقل والاسعار دراسة اقتصادية معمقة ، خصوصا في ظل عدم وجود قرارات او قانون ينظم تكلفة النقل او حتي الية للتسعير . هذا فضلاً عن الاثر على مستوى معيشة الافراد ذوي الدخل المحدود .

– و لهذا فان التقليل من اهمية اثر رفع الدعم عن المحروقات على الاسعار ، من قبل البعض ، فيه تضليل لمتخذ القرار ، واثره السلبي على المواطن مؤكدُُ .

– وفي المقابل يدفع المنادون بالرفع الكلي للدعم ، دفعة واحدة ، بان المواطن سيتم تعويضه بالبديل النقدي ومن تم لن يتأثر برفع الدعم .

– وقد غاب عن هؤلاء ، في الحالة الليبية ، ان نسبة كبيرة من المواطنين لا يتقاضون اكثر من الحد الادنى للاجور ، ونسبة اخرى منهم مرتباتهم متدنية بالقدر الذي لا يكفي لمواجهة تكلفة المعيشة ، وهولاء هم اصلا في حاجة الى دعم كل ما يستهلكونه من سلع وخدمات ، بالاضافة الى ارتفاع نسبة الفقر في المجتمع ، حيث يقدر متوسط مصاريف الاسرة المكونة من خمسة اشخاص بحوالي 3094.5 دينار شهرياً ، وان ما تصرفه الاسرة على المواد الغذائية يقدر بحوالي 1250 دينار شهريا اي ما نسبته نسبته 40% من دخل الاسرة .

– وان الطبقة الوسطى بالمجتمع قد تقلصت وتكاد تندثر .

– وبالنظر لتدني مستويات الدخل فان اية زيادة تطرأ على الدخل الشهري الذي يتحصل عليها رب الاسرة ، في شكل بديل نقدى لرفع الدعم عن المحروقات ، ستوجه للانفاق على الغداء لسد فجوة الدخل التي تعاني منها معظم الاسر ، ( وهو ما يعبر عنه اقتصاديا بارتفاع الميل الحدي للاستهلاك ) ولن تتمكن الاسرة من تخصيص نسبة اكبر من اجمالى دخلها لمواجهة تكلفة النقل التي تشكل منها تكلفة المحروقات حوالي 49% , وان ايّ زيادة في ماتخصصه الاسرة من دخلها للصرف على المحروقات بعد رفع الدعم سيكون على حساب ماتخصصه للصرف على الغداء ، الامر الذي سيؤدي الى تدهور مستوى معيشتها .

– لذلك فان اي بديل نقدي يدفع للمواطن مقابل رفع الدعم عن المحروقات سيشكل تعويضاً بسيطاً و غير كافٍ او اضافة محدودة لدخله لن تكون كافية لتمكينه من استعادة ما فقده من فائض وقوة شرائية ، نتيجة لما حدث من تضخم في الاسعار بعد التخفيض الذي طرأ على سعر صرف الدينار الليبي ، والتي سيضاف اليها التضخم الذي سينتج عن رفع اسعار المحروقات في الاقتصاد في حالة رفعها ، ناهيك عن تمكنه من مواجهة الارتفاع في اسعار الوقود ، في ظل عدم وجود وسائل نقل عامة او بديلة ، بالنظر لتدني مرونة الطلب على المحروقات باعتبارها سلعة ضرورية مثل الغذاء و الدواء .

– هذا التحليل يصب في اتجاه ضرورة مراجعة سياسات توزيع الدخل في الاقتصاد الليبي اولا ََ والحد من تضخم الانفاق العام غير الانتاجي ، وان الدعم ينبغي ان يكون لمستحقيه من الفئات الهشة وليس لكل الناس ، حيث من المتوقع ان يودي رفع الدعم ودفع بديل نقدي غير كافٍ الى استفادة اصحاب الدخول المرتفعة على حساب اصحاب الدخول المتدنية ، و لا توجد دولة تدعم كل المواطنين بغض النظر عن مستويات دخلهم واوضاعهم. المعيشية بذريعة تحقيق العدالة ..

– هذا لايعني انه لا يجب التفكير في معالجة دعم المحروقات ، او غض النظر عن التشوه والهدر الذي يرتبه على الاقتصاد ، ولكن هذا الامر يتطلب ان يكون دخل المواطن ومن تم الدخل الشهري للاسرة كافيا في الاصل لمواجهة اعباء الحياة اليومية كما هو الحال في الدول التي قامت برفع الدعم مثل الامارات والسعودية وقطر وغيرها من الدول الاخرى التي اقدمت على هذا الاجراء .

– كما نؤكد على ان معالجة دعم المحروقات يجب ان يكون في كل الاحوال بالتدريج للتخفيف من اثر الصدمة على المواطن ، اي ان يتم رفع سعر المحروقات بمبالغ بسيطة على مراحل ، ولو أدىّ الامر الاستمرار اكثر من سنة واحدة ، من جهة ، وحتى تتمكن الحكومة من توفير البديل النقدي الكافي للمواطنين الذي سيكون نسبة اقل في ميزانية الانفاق العام ، في هذه الحالة ، مقارنة بما يجب رصده من مبالغ ودفعه في حال الرفع الكلي للدعم دفعة واحدة ، من جهة اخرى ؛

– خصوصا وان الميزانية العامة للدولة تعاني عجزاً في الموارد من وقت لاخر لارتباطها بمصدر وحيد للدخل المتاتي من تصدير النفط والغاز ، الذي يتسم بعدم الاستقرار ، مما يهدد الاستدامة المالية للدولة .

– النقطة الاخرى المهمة في اصلاح الدعم ، هو ضرورة رصد مبلغ البديل النقدي الكافي الذي سيدفع للاسر في الميزانية العامة للدولة التي تصدر بقانون سنوياً ، وبشكل شفاف ، اذ انه في غياب العمل بميزانية موحدة للدولة ، ورصد المبلغ المقرر للدعم ، سيكون من غير المؤكد حصول الاسر على البديل النقدي المقرر شهرياً للتعويض عن رفع الدعم على المحروقات على اسس مستدامة .

– كما ان قرار بمعالجة دعم المحروقات لاينبغي ان يتم ، و لن يتم ، مع وجود حكومتين في ظل الانقسام السياسي ، وفي غياب استراتيجية دائمة للحماية الاجتماعية . كما انه في ظل حالة عدم الاستقرار ، والفساد المستشري ، من غير المتوقع ان يتوقف تهريب الوقود الذي يتخذ كذريعة لرفع الدعم عن المحروقات .

– ونوصي دائمًا ان تطبق السياسة المناسبة في الوقت المناسب . و ان مجرد التفكير والاعلان عن تطبيق سياسة مثل سياسة رفع الدعم ، التي تمس كل المواطنين ، دون ان يكون الموضوع قد درس من جوانبه المختلفة ، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، سيؤدي حتماً الى خلق حالة من الهلع ، وعدم اليقين ، وردود الافعال غير المتوقعة ، وهو الامر الذي ينعكس سلباً على مختلف مناحي الحياة ، وقد يجهض اية تفكير لاصلاح الدعم في المستقبل .

انتهي النص ..

والله المستعان …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى