محلي

الدكتور سيف الإسلام: ثورة الفاتح لم تقم ضد شخص الملك، بل ضد القواعد الاجنبية 

الدكتور سيف الإسلام: ثورة الفاتح لم تقم ضد شخص الملك، بل ضد القواعد الاجنبية

أكد الدكتور سيف الإسلام القذافي، أن ثورة الفاتح لم تقم ضد شخص الملك، بل ضد القواعد الاجنبية والاستيطان والاحتلال، وكانت تطمح لبناء دولة قوية.

وقال الدكتور سيف الإسلام في تدوينة له على فيسبوك

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ﴾

 

اليوم، وبمناسبة الذكرى الـ56 لثورة الفاتح المجيد، أجد من المهم أن ألقي الضوء على تاريخ أُغفل عمدًا أو سهوًا.

 

إن ثورة الفاتح لم تقم ضد شخص الملك إدريس السنوسي رحمه الله أو ضد حكومة ونيس القذافي، بل كانت ضد ست قواعد عسكرية أمريكية وبريطانية متمركزة على التراب الليبي، وضد عشرين ألف مستوطن إيطالي امتلكوا أهم الشوارع والعقارات والأراضي الزراعية في غرب ليبيا، وكانت أيضًا ضد التغلغل البريطاني وتحكمه في صنع القرار في البلاد [1].

 

وكانت الثورة تطمح إلى بناء ليبيا قوية تلتحم بالمد القومي التحرري، وتشارك في الحرب لتحرير فلسطين، وتسعى لتحقيق الوحدة العربية وغيرها من الأهداف الكبرى التي حلم بها جيل الستينات.

 

وبحكم علاقتي الطيبة بالأسرة السنوسية لا أرى حرجاً في كشف الكثير من خفايا التاريخ التي أُغفلت لعشرات السنين [2].

 

تبدأ قصة إدريس السنوسي، المنحدر من أصول بربرية من جبل سنوس في مستغانم بالجزائر، و تعليمه وتربيته على يد الشارف الغرياني، الذي كان معلمه ومربيه، ثم أصبح كبير مستشاريه. وكان له أثر بالغ في تشكيل فكر إدريس السنوسي وشخصيته [3]. وتحول لقب إدريس السنوسي من “السيد” إلى “الأمير” بموجب اتفاقية الرجمة التي نقلت السنوسية من حركة دينية صوفية إلى حركة سياسية، وخلقت من إدريس اميراً على برقة ومن أخيه وليًا للعهد، وأوجدت بذلك عائلة ملكية.

 

أما “اتفاقية الرجمة”، فهي اتفاقية بين إدريس السنوسي وإيطاليا (ومن ورائها بريطانيا)، حيث ورد فيها لأول مرة لقب “الأمير”، وأصبحت برقة بموجبها إمارة. وجوهر الاتفاقية أنها جعلت إدريس السنوسي “أميرًا” مقابل وقف الجهاد ونزع السلاح من القبائل الليبية [4].

 

وقد سبق ذلك التخلص من السيد أحمد الشريف وتوقف العمليات العسكرية ضد إيطاليا في ليبيا وضد بريطانيا في مصر كما هو معروف [5].

 

ثم جاءت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية واختلاف أعيان المنطقة الغربية ورموزها ، الأمر الذي أدى في النهاية إلى تنصيب الأمير إدريس السنوسي ملكًا على ليبيا حتى عام 1969.

 

ولن نتحدث هنا عن الدور البريطاني في تلك الأحداث، ولا عن مزايا النظام الملكي أو عيوبه، فهذا ليس موضوعنا الآن.

 

موضوعنا هو تسليط الضوء على ما وقع قبل وبعد ثورة الفاتح بأيام قليلة. فقد تنازل الملك إدريس عن العرش قبل 28 يومًا من قيام الثورة، أي في الرابع من أغسطس 1969، وكان لزامًا عليه بحكم الدستور تسليم العرش إلى ولي العهد (الذي تنازل علنًا عن العرش بعد الثورة).

 

وقد نشرنا اليوم الوثائق الليبية والبريطانية، وخاصة ما ذكره المستشار البريطاني الخاص بالملك “إيريك آرمار فولي دي كاندول”، حيث أكد أن النسخة الأصلية من وثيقة التنازل موجودة لدى آل العبار الذين يحتفظون بها إلى الآن [7]. وكذلك رسالة الملكة فاطمة إلى المستشار الإنجليزي بشأن تنحي الملك، والتي أوردها الأخير في مذكراته [8].

 

كما أن الملك كان دائم السخرية من ولي عهده، ويراه شخصًا غير جدير بالحكم، وهو ما كشفته وثائق الخارجية الأمريكية التي رفعت عنها السرية [9]، وذكره مصطفى بن حليم في مذكراته [10]، وأكده أيضًا المستشار البريطاني دي كاندول في مذكراته [11].

 

وعندما قدّم الملك استقالته، ذهب إليه رئيس مجلس الشيوخ (عبدالحميد العبار) ورئيس مجلس النواب (مفتاح عريقيب) في محاولة لثنيه، لكنه رفض الرجوع عن الاستقالة، وكلّف ولي العهد بتولي مقاليد الحكم حسب الدستور، وقال لهما: “أنتم أدرى بشؤونكم، فابحثوا عن الأنسب، لأني أشك في أن ولي العهد قادر على تولي هذه المهمة”.

 

وهذا يُحسب للملك إدريس، إذ كان يعلم أن ولي العهد غير كفء لتولي الحكم.

 

نصل هنا إلى قصة آل الشلحي (جزائري الأصل ) [12] التي ذكرها كلٌ من مصطفى بن حليم ومحمد عثمان الصيد في مذكراتهما. فقد كان الملك يرى أن النظام الملكي لا يصلح لليبيا، وأن الشعب رافض إياه، وكان عازمًا على تحويله إلى نظام جمهوري. وكان شائعًا آنذاك أن أحد أفراد آل الشلحي سيصبح رئيسًا للجمهورية، نظرًا لكره الملك لولي عهده، وكذلك بسبب الفجوة بين العائلة السنوسية وآل الشلحي بعد اغتيال إبراهيم الشلحي،خادم الملك أقرب المقربين إلى الملك ، على يد محيي الدين السنوسي حفيد أحمد الشريف.

 

وقد اعترف عبدالعزيز الشلحي عند التحقيق معه من قبل الضباط الوحدويين الأحرار (ومنهم الفريق مصطفى الخروبي والفريق خليفة مصباح) بأن الملك أشار إليهم بأنه بعد تنازله وتسليمه العرش لولي العهد، إذا ساءت الأمور فلهم أن “يدبروا أمرهم”، أي أن لهم الضوء الأخضر للانقلاب، وفق شهادة الحضور.

 

وكان من شدة شيوع هذا الاعتقاد أن الصحفي محمد حسنين هيكل، عندما وصل إلى ليبيا سنة 1969، كان أول ما سأل عنه في المطار: “أين الشلحي بيه؟”، إذ كان يعتقد أن آل الشلحي هم من قاموا بثورة الفاتح.

 

لكن نجاح الثورة أربك حسابات الملك وآل الشلحي، حيث قُبض على عبدالعزيز الشلحي وولي العهد معًا.

 

واجتمع الملك إدريس بعد ذلك في أكتوبر 1969 باليونان مع عبدالله عابد السنوسي وعمر الشلحي، حسب رواية إدريس عبدالله عابد السنوسي، وجرى فيه بحث تغيير الخطة وإعلان عبدالله عابد السنوسي وريثًا للعرش بعد ما حدث. وقد أكدت العائلة السنوسية ذلك في وثائقها، وما يزال ابنه إدريس عبدالله عابد السنوسي يذكره حتى اليوم [13].

 

مع ذلك، أعلن الملك إدريس في ذلك الاجتماع أنه اعتزل السياسة نهائيًا، وتبرأ من محاولات عمر الشلحي الاستعانة بالإنجليز أو بالمرتزق الفرنسي الشهير “بوب دينار”، وقال جملته الشهيرة: “البلاد جوها هلها” [14].

 

أما شخصية عبدالله عابد السنوسي، فلندع الوثائق التاريخية تتحدث عنه، وقد نشرناها اليوم ليطّلع الليبيون على الحقيقة [15].

 

﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾

 

وختم الدكتور سيف الإسلام تدوينته بإدراج المراجع التي استعانت بها.

 

المراجع

 

[1] الوجود العسكري الأجنبي وطرد المستوطنين

• خريطة توزيع القواعد والتواجد العسكري الأجنبي في ليبيا قبل 1/9/1969.

• قرار مجلس قيادة ثورة الفاتح بشأن استرداد الأملاك المغتصبة من المستعمر الإيطالي الصادر بتاريخ 21/7/1970.

• مقال في صحيفة الشرق الأوسط حول طرد القائد الشهيد معمر في القذافي للمستوطنين الطليان سنة 1970( المقال سنة 2002).

• شهادة السايح فلفل (قناة العاصمة 2013): نقل عن محمد عثمان الصيد أن “مافيش وزارة في ليبيا إلا من السفارة الأمريكية والبريطانية”.

 

[2] سيف الإسلام القذافي والعائلات السنوسية

• شهادة عبد الرحمن كرفاخ حول طبيعة العلاقة بين سيف الإسلام والعائلات السنوسية.

• بيان مؤسسة القذافي العالمية الصادر في طرابلس 2007: إعادة عقار الملكة فاطمة أحمد الشريف في طرابلس إلى ملكيتها.

• صك نقدي بثمن منزل الملكة فاطمة بعد بيعه للسفارة البريطانية ( الصك بتاريخ 2/11/2008).

• موقف سيف الإسلام عند وفاة الملكة فاطمة في 3/10/2009 (نعي رسمي، مبعوث شخصي، نقل أسرتها بطائرة خاصة للسعودية).

 

[3] الشارف الغرياني ودوره

• مربي الملك إدريس

(كتاب الملك إدريس عاهل ليبيا – ني.أ.ف. دي كاندول) الطبعة الاولى 1989 .

• المستشار الأول لإدريس

(كتاب برقة الهادئة – رودولفو جراتسياني) (الطبعة الاولى المترجم ابراهيم سالم بن عامر 1973).

٠ رسالة من عمر المختار إلى مكتب الحكومة الإيطالية يوضح فيها بانه لا يرتاح للأعمال السيئة ” لمستشار ادريس ” الشارف الغرياني

( كتاب برقة الهادئة – رودولفو جراتسياني) (الطبعة الاولى المترجم ابراهيم سالم بن عامر 1973).

 

[4] اتفاقية الرجمة 20/10/1920

• توثيق البنود الكاملة للاتفاقية.

٠ مستند من كتاب ( عمر المختار الحلقة الاخيرة من الجهاد الوطني في ليبيا ) (الطبعة الأولى – 1353هـ)(الطبعة التانية -2004)

ولمؤلفه : الشيخ الطاهر احمد الزاوي

حيث ذكر ان الملك ادريس السنوسي أظهر مواقف متصلبة في مفاوضات برقة و معاهداتها (عكرمة و الرجمة )عبر فيها بوضوح وصراحة عن انحيازه التام إلى سياسة الانجليز و الطليان وتمسكه بمهادنتهم.

٠ مستند من كتاب ( عمر المختار الحلقة الاخيرة من الجهاد الوطني في ليبيا )

لمؤلفه : الشيخ الطاهر احمد الزاوي

(الطبعة الأولى – 1353هـ)(الطبعة التانية -2004) ..حيث ذكر ان الملك ادريس السنوسي على تواصل مستمر مع الانجليز والطليان

 

[5] أحمد الشريف وإبعادُه

• إدريس يتمتع بحرية بعد إبعاد أحمد الشريف (كتاب الملك إدريس عاهل ليبيا – كاندول) الطبعة الاولى 1989 .

• “اغتصاب إدريس للسلطة” بعد إبعاد أحمد الشريف (كتاب حقيقة إدريس) 1983.

•ذكر إيفانز بريتشارد في كتابه ( السنوسيون في برقة ) – 2002 ,, كيف ان المجاهد احمد الشريف كان يمثل عقبة لإدريس السنوسي في سيطرته على برقة وإخضاع اهلها للاتفاقيات مع الطليان

 

[ 6 ]وثيقة التنازل عن العرش

• رسالة الملك إدريس بالتنازل عن العرش (اليونان، 4/8/1969).

 

[ 7 ]

• كاندول: يؤكد إمضاء إدريس وثيقة التنازل للشيخ عبد الحميد العبار. ) (كتاب الملك إدريس عاهل ليبيا – ني.أ.ف. دي كاندول) الطبعة الاولى 1989.

 

[ 8 ]

• الملكة فاطمة تؤكد تسليم الوثيقة (كتاب الملك إدريس عاهل ليبيا – ني.أ.ف. دي كاندول) الطبعة الاولى 1989

 

[9 ]

ولي العهد الحسن الرضا

• مذكرة أمريكية صدرت بتاريخ 15/10/1962 بواشنطن : الحسن الرضا ضعيف ومقامرة سياسية لحماية قاعدة ويلس.

٠ رسالة من محمد الرضا السنوسي وبتحفيز من الشارف الغرياني إلى الليبيين بالتخلي عن الجهاد وإعلان الطاعة للإيطاليين (كتاب برقة الهادئة لرودولفو غراتسياني)1973 .

 

[ 10]

.الملك يوافق على تعيين الحسن الرضا وليا للعهد بتاريخ 26/11/1956.

.إدريس لم يكن راضياً عن اختيار محمد الرضا (والد الحسن) لانه مقتنع انه غير مؤهل لقيادة البلاد .

 

الملك يتحدث على ان الأمير الرضا ليس له القدرة السياسية ولا الخبرة ولا الذكاء لإدارة شؤون البلاد.

. الملك لم يكن راضياً عن اختيار الحسن ولياً للعهد.

مصطفى بن حليم ( صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي -1992)

 

 

[ 11 ]

• إدريس لم يكن راضياً عن اختيار محمد الرضا (والد الحسن) ولياً للعهد. (كتاب الملك إدريس عاهل ليبيا – ني.أ.ف. دي كاندول) الطبعة الاولى 1989

 

[12] أصول إبراهيم الشلحي

أصله جزائري، خادماً لأحمد الشريف ثم لإدريس.

• مصطفى بن حليم ( صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي -1992)

 

[13] عبدالله عابد السنوسي

• مستند تكليفه من ادريس السنوسي باستعادة العرش (اليونان، 28/10/1969).

• مقابلة المجلة (2017): ابنه يؤكد التكليف.

. .رودولفو جراتسياني يتحدث هنا عن محمد العابد والد عبدالله عابد وقرار تسليمه وخضوعه للطليان وتسليم الأسلحة دون قيد او شرط كل هذا من اجل المحافظة على مصالحه وأملاكه في الكفرة (كتاب برقة الهادئة- رودولفو غراتسياني،، الطبعة الاولى المترجم ابراهيم سالم بن عامر 1973).

 

[14] عمر الشلحي

• الملكة فاطمة أكدت استياءها والملك من اتصالاته غير الرسمية مع الإنجليز والأمريكان، والملك وبّخه.

(كتاب الملك إدريس عاهل ليبيا – ني.أ.ف. دي كاندول) الطبعة الاولى 1989 .

 

[15] فساد عبدالله عابد السنوسي

• حكم محكمة لبنانية (1/8/1975): 8 أشهر سجن بتهمة تهريب المخدرات.

• فساد طريق فزان.

مقال سالم الكبتي (بوابة الوسط، 14/10/2020)

•فساد مشروع فزان.

تقرير الاندبندنت عربية (زايد هدية، 16/8/2022)

•المعارضة تصاعدت نتيجة فضيحة طريق فزان، وتضررت هيبة الحكومة ورئيس الوزراء كعبار.

(وثيقة أمريكية عن فساد طريق فزان.

• تقرير CIA (14/10/1960)).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى