
“رصد الجرائم” تؤكد استمرار الانتهاكات ضد المدنيين من قبل الأجهزة الأمنية
أكدت منظمة رصد الجرائم استمرار الانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين في ليبيا المرتكبة من قبل أجهزة أمنية وجماعات مسلحة تابعة للسلطات في شرق وغرب ليبيا، خلال شهر أغسطس الماضي.
وأوضحت المنظمة أن الجرائم شملت القتل خارج نطاق القانون، القتل غير المشروع، الاعتقال التعسفي، الاختفاء القسري، واعتداءات ضد العملية الانتخابية، وسط غياب أي خطوات جادة وفعالة للتحقيق والمحاسبة من قبل السلطات في شرق وغرب ليبيا.
ووثّق فريق رصد الميداني خلال الشهر الاعتقال التعسفي لخمسة (5) مدنيين بينهم مدوّن وأربعة موظفين حكوميين، وذلك من مدينتيْ سرت وسبها، كما وثّق مقتل مدنيَّين (2)، أحدهما طفل، نتيجة إطلاق نار في مدينتيْ الكفرة وغريان، وإصابة تسعة عشر (19) مدنيًا في حوادث متفرقة، منها انفجار مخزن ذخيرة بمدينة مصراتة، وإصابة مدنيين خلال إطلاق نار عشوائي في مدينة زليتن.
كما سجل الفريق الميداني العثور على ثلاث (3) جثث مجهولة الهوية يُعتقد أنها تعود لمهاجرين على شواطئ البحر في مدينتيْ طبرق وصبراتة، وذلك عقب حوادث غرق متفرقة لقوارب كانت تقل مهاجرين في طريقهم نحو أوروبا، كما سجّل العثور على جثة (1) لمهاجر سوداني في طريق تهريب صحراوية بمدينة إجدابيا، في ظل استمرار فشل السلطات في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المهاجرين.
وكذلك، وثق الفريق الميداني خلال شهر أغسطس تدخلات أمنية ممنهجة أدت إلى عرقلة للعملية الانتخابية بالمجالس البلدية في شرق وجنوب وغرب ليبيا، حيث ألغي تعسفيًا الاقتراع في ثلاث عشرة (13) بلدية بشرق ووسط ليبيا، وتعرضت مخازن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لهجوم مسلح في مدينة الزاوية ما أثر على انتخابات المجالس البلدية في أربع (4) بلديات.
وحملت منظمة رصد الجرائم في ليبيا المسؤولية الكاملة عن الانتهاكات المذكورة لكلّ من جهازيْ الأمن الداخلي التابعان للمجلس الرئاسي الليبي والحكومة الليبية المعتمدة من مجلس النواب، ومديرية أمن الكفرة التابعة لوزارة الداخلية بالحكومة الليبية، واللواء 444 التابع لوزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية، وكذلك الجماعات المسلحة المسؤولة عن مخزن الذخيرة المعروف بـ (“الداو”) بمدينة مصراتة والموالية لحكومة الوحدة الوطنية، وذلك باعتبارها الجهات المسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن ارتكاب هذه الانتهاكات، أو الإخفاق في منعها ومحاسبة مرتكبيها.
وأكدت المنظمة أن ما ورد في هذا التقرير لا يعكس كل الانتهاكات المرتكبة خلال الشهر، ويقتصر هذا التقرير على الحالات التي تمكن فريق رصد الميداني من توثيقها والتحقق منها، بعد الحصول على الموافقة المستنيرة من الضحايا أو ذويهم، مع مراعاة السرية وتجنب أي مخاطر محتملة.
وطالبت المنظمة السلطات في شرق وغرب ليبيا إلى وقف كافة العمليات العسكرية، وإنهاء التواجد المسلح داخل المناطق السكنية أو بالقرب من المنشآت المدنية، داعية النائب العام الليبي إلى فتح تحقيقات مستقلة وشفافة في الحوادث الناجمة عن إطلاق النار العشوائي أو انفجار مخازن الذخيرة في مناطق مأهولة، وضمان مساءلة المسؤولين عنها وفقًا للمعايير الدولية.
كما طالبت النائب العام بفتح تحقيقات فورية ومستقلة في عرقلة العملية الانتخابية، بما في ذلك التدخلات الأمنية والاعتداءات على المقرات، مع تحديد المسؤولين وضمان محاسبتهم. ودعت رصد السلطات في شرق وغرب ليبيا إلى الامتناع عن أي تدخل في أعمال المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، واحترام استقلاليتها، وضمان حماية موظفيها ومقارها، وتمكينها من أداء مهامها بأمان، وضمان احترام الحق في المشاركة السياسية المكفول بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وطالبت السلطات في شرق وغرب ليبيا إلى احترام الحقوق والحريات الأساسية المكفولة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في حرية الرأي والتعبير وحرية التجمع السلمي.
وحثت المنظمة على الوقف الفوري للاعتقال التعسفي والاستهداف الممنهج للمدنيين، ولا سيما النشطاء والمعارضين السلميين، باعتبار أن هذه الممارسات تمثل خرقًا جسيمًا للحقوق الأساسية، وتُكرّس مناخ الخوف وتفاقم ثقافة الإفلات من العقاب.
وطالبت رصد النائب العام الليبي بفتح تحقيقات مستقلة وشفافة في جميع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل خارج نطاق القانون، والقتل غير المشروع، والاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، والاختطاف، والتعذيب داخل أماكن الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، وضمان محاسبة المسؤولين عنها وفقًا للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
كما جددت رصد مطالبتها للسلطات في ليبيا بتحمل مسؤولياتها في حماية أرواح المهاجرين على طول مسارات الهجرة في الصحراء والبحر، والتعاون مع المنظمات الدولية المختصة من أجل إنشاء آليات فعالة للبحث والإنقاذ، وتحديد مصير المفقودين، وضمان التعرف على الهويات والرفات البشرية، مطالبة بفتح تحقيق مستقل وشفاف في حوادث الغرق والانتهاكات المرتبطة بالاتجار بالبشر، ومحاسبة المتورطين فيها بما يتماشى مع المعايير الدولية للمساءلة.
وناشدت رصد مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى إعادة النظر في قراره بوقف التحقيقات في ليبيا بحلول نهاية عام 2025، لما قد يترتب على ذلك من ترسيخ لحالة الإفلات من العقاب، في ظل غياب الإرادة والقدرة والفعالية لدى آليات التقاضي الوطنية، وعجزها عن الوفاء بالتزاماتها، وتطبيق مبدأ التكامل المنصوص عليه في نظام روما الأساسي.
ودعت رصد بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والدول الفاعلة، إلى تكثيف الضغط على جميع الأطراف لاحترام حقوق الإنسان، والعمل الجاد على تحقيق العدالة الانتقالية، وكشف الحقيقة، وجبر ضرر الضحايا، وإنهاء حالة الإفلات من العقاب التي تغذي استمرار الانتهاكات.