متخصصون يرفضون قرار تعديل سعر الصرف بالتزامن مع رفض شعبي عارم.. وتحذيرات من عواقب يدفع المواطن ثمنها

ردود أفعال عديدة جاءت بعد قرار مصرف ليبيا المركزي بتحديد سعر لصرف الدينار.. تباينت الآراء ما بين الرفض والقبول والتحذير من العواقب والتفاؤل بإصلاحات اقتصادية.. وما بين هذا وذاك يبقى المواطن هو من يدفع ثمن جميع القرارات.
مجلس المصرف المركزي اجتمع للمرة الأولى منذ سنوات خمس شهدت انقساما وتلاسنا واتهامات، وتوصل خلال هذا الاجتماع إلى الاتفاق بأن يكون سعر صرف مخفض في أنحاء البلاد عند 4.48 دينار للدولار الأميركي من الثالث من يناير.
عقب القرار شهد سوق العملات الدولية الأكثر تداولا في السوق الموازية في ليبيا، اليوم الخميس، ارتفاعا بشكل ملحوظ أمام الدينار الليبي، مقارنة بالأسعار المسجلة أمس، قبل إعلان المصرف المركزي الليبي توحيد سعر الصرف الرسمي للدينار عند 4.48 دينار للدولار.
مجلس النواب
ومن بين التعليقات التي جاءت على تعديل سعر الصرف، رأي رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار بمجلس نواب طبرق بدر علي العقيبى، أنه قرار مستعجل وفردي وخلفيته مصلحة المصرف المركزي فقط لتغطية العجز دون تقدير عواقب القرار على الاقتصاد الوطني ومستوى دخل المواطن وانخفاض القيمة الفعلية للمرتبات.
وأضاف العقيبي أن مجلس النواب قرر تشكيل لجنة برلمانية وفنية لوضع حزمة كاملة من الإصلاحات الاقتصادية والمالية الجذرية، إضافة إلى السياسة النقدية الجديدة للمصرف ومنها رفع مرتبات الموظفين والمتقاعدين واستبدال دعم الوقود بدعم نقدي مباشر لكل عائلة.
وأكد العقيبي قائلا “لن نسكت وادعوا الشعب وممثليه الزملاء إلى التحرك فاليوم قرار تغير سعر الصرف وليس فرض رسوم حكومية كما حدث سابقا.”
لم يختلف رأي عضو مجلس نواب طبرق صالح افحيمة كثيرا حيث قال “إنه ليس لديه ثقة في إن سعر الصرف الجديد للدينار الليبي سوف يلبي الطموحات”.
خبراء اقتصاد
ودعم هذا الرأي الخبير الاقتصادي الليبي علي الصّلح، الذي أكد أن تحديد صرف الدينار بـ4.48 سعر غير عادل؛ لأنه يعتمد على عناصر إضافية منها زيادة عرض النقود، وقد كان من الممكن استخدام أدوات أخرى مثل أسعار الفائدة والضرائب لتقليص حجم المعروض النقدي الذي تسبب في التضخم.
ولفت الصلح إلى أن تحديد سعر الصرف يتم وفقًا للظروف الاقتصادية والاجتماعية، موضحًا أن الغرض الأساسي من تحديد سعر الصرف هو استقرار الأسعار والمحافظة على مستويات المعيشة وتحسينها ومعالجة الميزان.
المحلل والصحفي الاقتصادي أحمد الخميسي كان له نفس الرأي، حيث قال إن تعديل سعر الصرف ب 4.48 $ سيؤدي إلى تآكل المستوى المعيشي للسكان، وأن تخفيض قيمة العملة بنسبة 70% سيسفر عن تدهور القوة الشرائية بتخفيض قيمة الدينار” مؤكدا أن “تخفيض قيمة العملة وحده لن يعالج علل الاقتصاد الليبي”، خاصة وأن “الحد الأدنى للأجور 100 $ وبمعدل يومي 3.33 دولار يومياً ، كما أن خط الفقر 1.9$ للشخص الواحد في اليوم، حيث أن دخل الفرد في الأسرة الليبية يومياً عن 4 دولارات، حيث أن هذا القرار “يرفع متوسط خط الفقر للفرد إلى 2240 دينار شهريا”
وبين الخميسي أن “الغالبية العظمى من الشعب تعتمد على المرتبات وبالتالي أي إجراء لرفع الأسعار يعني لا شيء سواء زيادة معدل الفقر”
لم يذهب أستاذ الاقتصاد في جامعة قاريونس الدكتور عطية المهدي الفتيوري، بعيدا عن توجه الرفض هذا، حيث قال ” يبدو أن مجلس الإدارة (المركزي) متحيز لنفسه بتغيير سعر الصرف، فهذا الإجراء سيوفر للحكومة أموالا كبيرة بالدينار وبذلك يمكنها إطفاء الدين العام المحلي للمصرف المركزي بالإضافة إلى تضخيم ميزانية الدولة بالدينار”.
وأضاف الفيتوري أن “الرابح من تغيير سعر الصرف هي الحكومة والمصرف المركزي، وأما الخاسر فهو المواطن المسكين المطحون بين ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الدينار.”
وتابع أستاذ الاقتصاد متسائلا عن الاقتصاديين الذين أشاروا على مجلس الإدارة بهذه المشورة، متوقعا أن يكونوا “كلهم موظفين في المصرف المركزي ولا أن بينهم اقتصادي”، كما تساءل “أي مجلس هذا الذي أخذ بهذه المشورة”.
الحديث عن معاناة المواطن بسبب هذا القرار أيده الباحث في مجال الاقتصاد، نور الدين حبارات، الذي قال إن هذا السعر 4,48 لا يخدم المواطن في هذه الظروف وما يصاحب ذلك من انهيار القدرة الشرائية، وبالتالي يرتفع مستوى المعيشة ويزداد سعر الوقود وجميع متطلبات الحياتية سترتفع.
وأضاف: قرار المركزي اليوم يخدم الحكومة وكبار التجار فقط، وهو من وجهة نظري وسيلة لتمويل الميزانية، ولا بد أن نتذكر ما حدث قبل عامين عندما تم إقرار ما يسمى بحزمة الإصلاح الاقتصادي والتي من مهامه معالجة الفساد وفي نهاية الأمر لم يحدث شيء، واكتشفنا أن الموضوع عبارة عن فرض ضريبة يدفعها المواطن، وسؤالي، كيف يجتمع المركزي في غياب الحكومة؟.
مركزي البيضاء
في المقابل، علق “علي الحبري” محافظ مصرف ليبيا المركزي بالبيضاء، على قرار اعتماد وتوحيد مصرف ليبيا المركزي سعر الصرف على 4.48، بأن السعر مبني على دراسة تناولت كل مظاهر الخلل في الاقتصاد الليبي، الذي يعاني من أعراض متعددة أصبح الاستمرار فيها نوع من الانتحار الاقتصادي، مضيفا” السعر سيكون محل رصد و متابعة من لجنة مختصة وسترفع تقارير دورية للمجلس لإجراء المعالجات اللازمة.”
ولفت إلى أنه سيكون السعر متاحاً للجميع وسترفع القيود في معظمها وسيحدث انفراجة كبيرة في السيولة .
وأوضح “الحبري”:” ستكون الميزانية العامة في حالة توازن وربما في إطار شبكة الأمان الاجتماعي يتم سداد علاوة العائلة كداعم للأسر”.
ولكن تعليق الحبري لم يرد على انتقادات المحللين الاقتصاديين وشكاوى الشارع الليبي.
الشارع الليبي
أما الشارع الليبي شرقا وغربا وجنوبا فعبر عن رأيه بإسهاب عبر صفحات التواصل الاجتماعي، حيث كانت أغلبها تدوينات قصيرة وطويلة، كان معظمها متشائمًا ومحبطًا من الخطوة، حيث يقولون إنها تُكرّس ارتفاع الأسعار ، وتشرعن الغلاء الفاحش الذي لا يتماشى مع “حجم الدخول”، خصوصًا في هذه الفترة التي يقاسي فيها المواطن ضنك العيش ومرارته.
وتساءل الليبيون، عن مصير مرتباتهم التي انخفضت في سجلات الدولة، وقدرة المصارف على توفير كميات العملة الصعبة في كل وقت وفي كل حين، مُشكّكين في جدوى هذا القرار؛ قائلين إنه يقضي على الطبقة المتوسطة، ويطحن الطبقة الفقيرة؛ كونه قرارًا أقرب إلى تعويم العملة منه إلى تعديل سعرها وتوحيده لكافة الأغراض.
وقال محمد الغزوتي الذي يملك متجرا للإلكترونيات في طرابلس “أهم ما يشغلنا الآن في القطاع الخاص هو الاستمرارية واستقرار الأسعار، أي تغير مفاجئ خلال فترة زمنية وجيزة قد يؤثر على الأسعار في السوق”.
قوبلت هذه الآراء الشعبية بغياب كامل للتوضيح من قبل مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، الأمر الذي زاد من حالة الإحباط الشعبي، التي بدت واضحةً.
المجلس الرئاسي
من جانبه عبر رئيس المجلس الرئاسي غير الشرعي فائز السراج، عن ارتياحه لالتئام مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، بعد انتظار دام لسنوات، ليستجيب إلى «مطلب كان ملحا بتوحيد سعر صرف الدينار»، مشيرا إلى أن الوقت بات مناسبا «لوضع خارطة طريق لاستئناف تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي على أرضية صلبة، حيث يعد توحيد سعر الصرف من أهم مقومات نجاحه».
وزير الاقتصاد
في المقابل أكد منير عصر وزير الاقتصاد بحكومة الشرق أن محاسبي مصرف ليبيا المركزي في طرابلس الذين تقمصوا عباءة رجال الاقتصاد، ارتكبوا كارثة اقتصادية من خلال تعديل سعر الصرف الجديد.
وأضاف وزير الاقتصاد، إن الأجدر أن يكون الإصلاح الاقتصادي من خلال الدولار الجمركي وأن لا يتم إنهاك وإضعاف الدينار الليبي والسقوط الحر نحو التضخم وإنهاك أصحاب الدخل المحدود، حسبما نقلت صحيفة صدى الاقتصادية عن “عصر”.
وتابع منير عصر:” الوضع قد يكون أو يبدوا جيد أمام الذين يقولون إن الأسعار بالسوق مقومة على الدولار بأكثر من 6 دينار وتناسوا هؤلاء أن الناس صرفت كل مدخراتها السابقة واستنفذتها وهي على أمل أن تعود الأمور إلى طبيعتها.”
وأضاف الوزير، أن السؤال الأهم هو هل يستطيع المركزي طرح عملة أجنبية تقابل حجم الطلب على النقد الأجنبي؟ أم سندخل سوق سوداء جديدة قد تلتهب نيرانها لتقضي على ما تبقى من أمل المواطن الذي سئم من حقول التجارب؟.
رفض كبير على الصعيد الشعبي دعمه وأكده وحذر من عواقبه وتبعاته محللين اقتصادين ومتخصصين في المجال المالي، وأيده أيضا مجلس النواب في طبرق ووزير الاقتصاد.
بعد كل هذه الآراء يبقى الإصرار على تعديل سعر صرف الدينار بهذا الشكل خطوة لا تخدم إلا المسؤولين في المركزي والسراج الذين اتخذوا هذا القرار ودعموه.

Exit mobile version