الاقتصاد الليبي بين مطرقة التناحر السياسي وسندان الازمات

يترقب الليبيون بشغف يشوبه حذر تحسن الاقتصاد، بعد تولي رجل الأعمال والاقتصادي عبد الحميد الدبيبة رئاسة الحكومة .. الذي كان قد وعد بإنهاء معاناة الليبيين، وعودة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها، إلى جانب الإعمار والاستثمار عبر الشركات التي خرجت بسبب الانقسام السياسي والعسكري الذي انعكس سلباً على الاقتصاد، توقف معه تصدير النفط إلى خارج البلاد.
التداعيات السلبية الناتجة عن التناحر السياسي والعسكري طالت الاقتصاد الليبي واثرت بنسبة تصل إلى 95 في المئة على الإيرادات النفطية، وانعكس ذلك على مفاصل الاقتصاد.
وكشفت بيانات حديثة لمصرف ليبيا المركزي في طرابلس، أن الدين العام في العام المنصرم 2020 بلغ 84 مليار دينار، ما يعادل 260 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأوضح المصرف المركزي، عبر بيانات، أن المعدل غير قابل للاستدامة، وذكر أن استمرار الدين العام سيؤدي إلى انخفاض معدلات النمو الاقتصادي والتأثير سلباً في القطاع الخاص، وأنه منح قرضاً بقيمة 26.7 مليار دينار لتغطية الموازنة العامة للعام الحالي، بسبب إقفال الحقول النفطية في اي النار/ يناير الماضي.
كما خفض المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق غير الشرعية في طرابلس الموازنة العامة، أو ما يُعرف بالترتيبات المالية لسنة 2020، إلى 38 مليار دينار ، بعجز يناهز 23 مليار دينار
وتوقعت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “إسكوا” ارتفاعاً في معدلات التضخم وفاتورة الاستيراد ونسبة البطالة بين الليبيين كأعلى نسبة في المنطقة، بسبب تدهور أسعار النفط وانتشار جائحة كورونا، مقابل سيناريو متفائل بتحقيق نمو 3.1 في المئة خلال 2021.
ومن المتوقع حدوث انتعاش في 2021 مع بلوغ معدل النمو 3.1 في المئة (انكماش نسبته 3.8 في المئة بحسب السيناريو المتشائم) مع ارتفاع التضخم من 11 في المئة إلى 15.4. ويشار إلى انكماش الاقتصاد 8.7 في المئة في 2019 أثناء احتدام الصراع وعدم التوصل إلى اتفاق بين الليبيين، لكن هناك توقعات بالتحرك الاقتصادي في حال نجحت السلطة التنفيذية الجديدة.
وأعلن المصرف المركزي في طرابلس تخصيص 13.452 مليار دينار لسداد الدين العام خلال الأشهر التسعة الأولى من 2020. ووفق بيان المركزي عن الإيراد والإنفاق خلال الفترة من الأول من اي النار/يناير إلى 30 الفاتح/سبتمبر 2020، “بلغت الخسائر المباشرة لإيقاف إنتاج النفط وتصديره نحو 10 مليارات دولار أميركي”، مشيراً إلى أن “إجمالي الإيرادات النفطية بلغ 5.259 مليار دينار ، منها 2.871 مليار دينار عن صادرات نفطية خلال الكانون /ديسمبر 2019، و2.388 مليار دينار حصيلة صادرات الأشهر التسعة من 2020، منها 48 مليون دينار فقط عن الفاتح/سبتمبر”.
ونوّهت بيانات المركزي إلى أن “العجز في إيرادات النقد الأجنبي بلغ 6.976 مليار دولار تمت تغطيته من احتياطات مصرف ليبيا المركزي، إضافة إلى التزامات قائمة على قوة اعتمادات مستندية للقطاعين العام والخاص تقدر بمبلغ سبعة مليارات دولار”.
وقال البنك المركزي الليبي إن عجز ميزانية البلاد بلغ 15.7 مليار دينار في الأشهر السبعة الأولى من العام المنصرم 2020 وعزا العجز إلى تراجع حاد في إيرادات عائدات النفط، بسبب إغلاق منشآت نفطية منذ بداية العام المنصرم، والتراجع الحاد في الإيرادات غير النفطية بسبب الجائحة.
ووفقاً لبيانات المركزي بلغ إجمالي الإيرادات حتى نهاية ناصر/ يوليو ، بما فيها النفطية، ثلاثة مليارات و345 مليون دينار بانخفاض 41 في المئة عن إجمالي الإيرادات المقدرة في الموازنة.
وجرت تغطية العجز بقرض من المصرف المركزي بمقدار 15 ملياراً و579 مليون دينار ، إضافة إلى مليار و225 مليون دينار من عائدات بيع النقد، حوّلها المصرف المركزي لتمويل مشاريع تنموية، خصوصاً لمؤسسة النفط.
وبحسب المصرف المركزي، فإن عائدات النفط خلال الفترة بلغت مليارين و218 مليون دينار بانخفاض مليار و282 مليون دولار أو 37 في المئة عن المقدرة في الموازنة 3.5 مليار دينار.
وبحسب وزارة الاقتصاد في حكومة الوفاق غير الشرعية فإن غالبية الضروريات الأساسية ارتفعت أسعارها بأكثر من 50 في المئة في 2020، ويُعزى الأمر إلى القيود التي فرضها المصرف المركزي في طرابلس، وكذلك الجائحة التي أدت إلى تفاقم الأزمة.
ويرى عدد من المحللين الاقتصاديين أن الخطة الاقتصادية التي طبقتها حكومة الوفاق غير الشرعية بدءاً من تغيير سعر الصرف، لم تغيّر الكثير من أحوال المواطنين المعيشية، إذ لا يزال غلاء الأسعار مستمراً والمصارف خالية من السيولة النقدية، إلى جانب استمرار الفجوة في سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
وأكدوا أن معاناة المواطن سوف تزداد خلال 2021 إذا لم تقدم الحكومة الجديدة خطة اقتصادية جديدة لرفع المعاناة، من خلال زيادة المرتبات بنسبة لا تقل عن 60 – 50 في المئة من أجل تعويض الإصلاحات الاقتصادية مؤخراً، مشيرين إلى أنه لا بد من إجراءات تعويضية للمواطن مقابل التي اتُخذت، والتي قالوا إنها لن تصب في مصلحة المواطن والاقتصاد الوطني.
ويعتقد مراقبون أن ليبيا خسرت أكثر من تسعة مليارات دولار أميركي، وهو رقم مهم في ظل الأزمة العالمية جراء كورونا، وما تسببت فيه من انخفاض أسعار النفط الدولية، بالتالي سيضطر البنك المركزي إلى تعويض الفاقد من الاحتياط الذي سيواصل تآكل أرصدته، ولن تستطيع أي حكومة حالياً أو مستقبلاً رد هذا العجز بسهولة، ويحتاج الأمر إلى أكثر من خمسة أعوام شريطة التصدير من دون انقطاع.
وأعلنت مؤسسة النفط في ليبيا، أن قيمة الخسائر جراء استمرار إغلاق المنشآت النفطية في البلاد وقدّرتها بنحو 9.1 مليار دولار، بعد أن تراجع إنتاج النفط بشكل كبير منذ منتصف اي النار/يناير الماضي إلى ما دون 100 ألف برميل بعدما كان يتجاوز 1.2 مليون برميل يومياً، عقب إيقاف التصدير من موانئ رئيسية في منطقة الهلال النفطي شرق البلاد ليبيا أرغِمت على خفض ميزانيتها.
وتوقع صندوق النقد الدولي، في النوار/ فبراير الماضي، تحقيق الاقتصاد الليبي مكاسب في النمو 3.9 في المئة خلال الفترة الممتدة إلى عام 2023 في حين اكدت المديرة التنفيذية للصندوق، كريستالينا غورغييفا، أن مسألة عدم الاستقرار في ليبيا تمثل خطراً على النمو الاقتصادي في المنطقة ككل. وأضافت “نأمل في أن تساعد الجهود الدبلوماسية الجارية في تحقيق تسوية سلمية وعاجلة للصراع الدائر في البلاد”.
وكان المصرف المركزي في طرابلس قد اعلن تعديل سعر صرف الدينار مقابل الدولار بقيمة 4.48 مقابل الدولار الواحد ودخل التعديل حيز التنفيذ في الثالث من اي النار/يناير 2021، وسيكون متاحاً لجميع الأغراض الحكومية والتجارية والشخصية.
وفي السنتين الأخيرتين كان في ليبيا سعرا صرف رسميان: الأول 1.40 دينار في مقابل الدولار الواحد، مخصص حصراً للأغراض الحكومية، والثاني حدد بـ 3.9 دينار للأغراض التجارية والشخصية. وجاء تعديل سعر صرف الدينار في أول اجتماع موحد لمجلس إدارة البنك المركزي الليبي منذ ستة أعوام.
واتخذ القرار بعد ضغوط محلية ودولية على البنك المركزي بضرورة توحيد السعر، للحد من عمليات الفساد المالي، وغسل الأموال من أطراف ليبية تهرب الدولار للخارج، مستغلة الفارق بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء، الذي تخطى قبل أيام حاجز سبعة دنانير.

Exit mobile version