بايدن والغرب هم الذين دفعوا النخبة السياسية الأوكرانية وفي صدارتها الرئيس زيلينسكي إلى ركوب صهوة التطرف والمناكفة ضدّ الجار الروسي، وخيّروا أن يشحنوا حكام كييف بوعود الانضمام إلى الناتو وبأحلام الدعم اللامحدود ووهم الندية مع الدب الروسي.
و لم يكن الاختلال الكبير في موازين القوى بين روسيا وجارتها الشرقية، كافيا ليردعَ حكاما شعبويين مهووسين بالتغريب على العبث بمصالح شعبهم وسلامة بلدهم، وركبوا موجة المعاندة والمناكفة والتحدي ضدّ بوتين وجيشه المدجج بأقوى ترسانة أسلحة عرفها العالم الحديث، وها هو زيلينسكي يدفع الثمن ويواجه القوة طاحنة لوحده ويقدّم عروضا هزيلة للتفاوض بعد يأسه من دخول الغرب المعركة من أجله.
هل كان زيلينسكي ينتظر أن يقاتل بايدن معه ضد روسيا؟
وهل كان هذا المهرج الكوميدي الشعبوي يصدق أن حلف “الناتو” سيعرّض أمن أعضائه وشعوب أوروبا الغربية إلى الخطر من أجله؟
وهل من فرقٍ بين أن يدعو الخصم إلى التفاوض قبل أن يتعرّض بلده إلى العدوان، أم بعد حدوثه..؟ الفرق واضح بالطبع، فالأمور تتغير كما المعطيات على الأرض بعد اندلاع المعارك وبعد انكشاف أكذوبة الدعم الغربي.
إنّ مطالب بوتين الحقيقية وهو يزحف نحو كييف تتمثل في استسلام دون الحوار الذي اقترحه زيلنسكي،
ودون الحياد الذي عرضه، فالحياد الذي يسعى بوتين إلى فرضه مختلف عن الذي يعرضه الرئيس الأوكراني.
حياد بوتين يبدأ باستسلام غير مشروط ورحيل لمنظومة الحكم الموالية للغرب والتي تطالب بعضوية الناتو، وحوّلت أوكرانيا من جار لروسيا إلى عدوّ لها ومهدّد رئيسي لأمنها ووجودها، كما يؤكد حكام موسكو.
أما المطلب الثاني، فهو حلّ الجيش الأوكراني، وتقسيم أوكرانيا على أسس عرقية وقومية وفرض نظام حكم خاص يحولها إلى منطقة عازلة بين روسيا والدول الدائرة في فلكها من ناحية، ودول شرق أوروبا الموالي للغرب والمنضوية تحت مضلة الناتو، من ناحية أخرى.
ربما أخطأ بوتين في بعض الحسابات تسببت في عرقلة تقدّم قواته وفق الجدول المحدّد وبالسرعة المتوقعة من قوة عظمى، لكنه اليوم يدرك أن التاريخ لن يمنحه مثل هذه الفرصة مرة أخرى، وهو يتشبّث بها، ويستفيد رغم سوء التقدير، من هشاشة تحالفات خصمه وضعفه وقلّة خبرته، لذلك فلا معنى عنده للتوقف في منتصف الطريق قبل تحقيق أهدافه، وقبل حسم قضية أمن روسيا من صواريخ وقواعد وتأثيرات حلف الناتو.. وللحديث بقية.