محليمقالات

محمد الأمين يكتب: بعد مالي…أفريقيا ومعركة السيادة…وماذا عن ليبيا؟

بقلم// محمد الأمين

محمد الأمين يكتب: بعد مالي…أفريقيا ومعركة السيادة…وماذا عن ليبيا؟

تحدث الكاتب محمد الأمين عن قطع النظام الجديد في مالي العلاقات مع فرنسا، وإلغاء كافة المعاهدات المالية والعسكرية معها.

جاء ذلك في مقال للرأي عنونه بـ: “بعد مالي…أفريقيا ومعركة السيادة…وماذا عن ليبيا؟” وقال فيه:

خير النظام الجديد بدولة مالي أن يقدّم هدية من نوع خاصّ لشعب مالي ولشعوب الإقليم بمناسبة عيد الفطر، حيث أعلن قطع كل الصلات الدبلوماسية وألغى كافة المعاهدات المالية والعسكرية مع فرنسا. هذا الحدث الذي يعتبر زلزالا جيوسياسيّا في الإقليم لن يتسبب في مزيد من المعاناة للماليين وحكامهم لأن باماكو واقعة أصلا تحت كمّ هائل من العقوبات سواء من منظمة اكواس (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا) ،والاتحاد النقدي لدول غرب افريقيا، بالإضافة الى عقوبات غير معلنة من الاتّحاد الافريقي الخاضع بدوره للهيمنة الفرنسيّة… ولقد رأينا على مدى الأسابيع الماضية مبارزة مضحكة ومحزنة في الوقت نفسه بين دول الإقليم وهي تتسابق لفرض أشدّ ضروب المقاطعة ضد مالي استرضاءً وتملقا للسيّد الفرنسي… فالنيجر وتوغو والسنغال وموريتانيا وتشاد وغيرها قد قبلت بلعب الدور القذر الذي ينصّ على الضغط على المناوئين لهيمنة باريس في محاولة للتصدّي لتمدّد النفوذ الروسي سواء في جمهورية أفريقيا الوسطى، أو في البلدان المنفلتة عن السّرب الدّاعم لفرنسا مثل غينيا، كوناكري، بوركينافاسو ومالي.

ولا شكّ أن هذا الواقع الجديد الذي سيلقي بظلاله على الوضع الأمني الإقليمي، وعلى العلاقات الدبلوماسية بين أفريقيا والقوى الكبرى، والسياق العالمي المتوتر بطبعه، سيفرز موجة من حركات التّحرّر الجديدة في تقديري. ففي أفريقيا يدور صراع عالمي مصغّر بين عناصر قطبيّة جديدة انبثق مع تزايد علامات أفول القوى التّقليديّة وانحسار نفوذها وتأثّر قدرتها على إحكام القبضة في مناطق النفوذ بسبب تسارع الأحداث وتضخُّم الاستحقاقات في ساحات صراع وبؤر توتّر رئيسية وأخرى ناشئة.

وبالعودة الى الوضع الليبي والى ما انتشر خلال فترة العيد وما قبلها من هرطقة سياسية صادرة “عن شخصيات رسمية” تتبارز في اِلقاء الخطب الشعبوية ونشر المقالات العاطفية في كبريات صحف العالم بلا رويّة ولا هديٍ ولا منطق، فإنني أزعم أنّ هذا “الاِسهال اللغوي/الكلامي” الصّادر عن حكومتين متنافستين ضعيفتين محدودتين في الشرعية والصلاحية لن يزيد الوضع في بلدنا إلاّ توترا وتشرذُما. إن آخر ما يحتاجه الليبيون اليوم هو افتعال الخصومات مع الأطراف الدولية. فإذا كان العالم أو جزءًا منه بحاجة إلى نفطنا أو إلى غازنا، فنحن بحاجة إلى كلّ شيء يأتينا منه… ويكون في مصلحة البلاد والعباد..بل نحن بحاجة الى تيسير التحادث بيننا!!! أفلم يلعب العالم دور وسيط بين ليبيين يتناولون الطعام في قاعة واحدة ويتبادلون الحديث من وراء حجاب؟!

إنّ مصلحة ليبيا اليوم تتحقق في عالم مستقرّ ومسالم، وإذا لم يستقرّ هذا العالم فهذا لا يعني أن نكون طرفًا في نزاعاته أو نعلن الانحياز لأخد أطرافه…

هل أثبتنا بعد كلّ هذه العقود قدرتنا على حفظ هذا الكيان؟ وهل هناك بالفعل فرصة للحياة والاستمرار لأيّ من “أقاليمها” بمعزل عن الكيان الموحّد؟ وهل سيصمت العالم على الفوضى والهراء والهرطقات التي تصدر عنا صباحا ومساءا من داخل المرابيع ومن على منابر الإعلام؟ لو أردنا حقا أن نستفيد من هذا الصراعات الدولية أن ندرك مصلحتنا ونتبين سبيل الرشاد ونوحّد الصفوف “التي شتتها العالم”… فهل نحن قادرون على ذلك؟

لقد قدّمت مالي الفقيرة وشعبها المعدم وقيادتها الوطنيّة الشّابّة بصرف النظر عن مدى شرعية انقلابها على المؤسسات، درسا بليغا لأدعياء السيادة. فالسيادة قرار، إمّا أن تتخذه وتتحمل مسؤولياته، وإما أن تدعيه وتتبجح به وأنت في حالة عجز عن ممارسته فلا تكسب احترام الداخل ولا احترام الخارج.

إن في مالي وبوركينافاسو وغينيا شبابا أدركوا خطورة الوجود الأجنبي ودور هيمنة الخارج في تخريب بلدانهم فاتخذوا قرارات تؤكد المؤشرات الحالية بأنها ستكون في مصلحة شعوبهم، هؤلاء امتلكوا إرادة اتخاذ القرار، ومن قبلها القدرة على اختيار الحليف… فهل يمتلك ساساتنا ونخبنا  الجهابذة نفس القدرات؟ وهل يمتلكون القدرة على القراءة والاستشراف ويتقنون حسابات السياسة والتاريخ ؟ وهل أحاطوا أنفسهم بالمستشارين الأكفاء القادرين على مساعدتهم وإنضاج مقارباتهم؟

لا نملك غير طرح التساؤلات أما الإجابات فربّما تأتينا بها الأحداث المتسارعة فتميّز بين الحق والباطل والزيغ، والهدى والحكمة والتهافت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى