نعناع قمينس وملح كركورة! “اللي يطلع من داره يقل مقداره”

بقلم// الدكتور محمد الدويب

نعناع قمينس وملح كركورة! “اللي يطلع من داره يقل مقداره”

مثل شعبي ليبي يعني : من يخرج من بيته أو وطنه يقل مقداره، وتحدثتُ في الإدراج السابق عمّا دار بيني وبين البقّال عندما أعطيته دينارا من العملة الليبية المعدنية نحاسية اللون وكنتُ أظن أنه ربع دينار فرفض قبوله، وعلق الأستاذ/ ميلود امبارك جعاط قائلا : لو ذهبت إلى بنغازي يحدث الأمر نفسه فلا يقبل الدينار الورقي الأزرق بعد سرت شرقاً فقلتُ له نعم وحدث معي ذلك شهر أكتوبر الماضي عندما مررت من قرية قمينس التي لي معها ذكريات جميلة منذ التحاقي بالجامعة عام  1975، حيث أوقفت السيارة مساء على يمين الطريق وأردت شراء بعضا من نبات النعناع المميز والمجفف الذي تشتهر به قمينس وكيس ملح طبيعي من الذي يجمع من سبخة كركورة وبعد وضع الطفل البائع المشتريات في كيس بلاستيكي أعطيته ورقة عشر دينارات وفوقها ثلاثة ورقات من فئة الدينار الورقي الأزرق وكنت أعلم أنها لا تقبل، لكنني أردت ممازحته لاسيما أن والده كان جالساً في سيارته على بعد خطوات ويراقب البيع فأعادها لي الطفل قائلا: هذه يا عمي الحاج ما تمشيش(مع تنبير قوي على الياء)، فقلت له كل الدينارات لا تمشي يا وليدي، (نحنا نرفعوها وين ما نريدوا ونشروا بها بس)، فتبسم ببراءة وتبسم والده وقلت له ربي يصون ويحفظ وأوصيت الطفل على ضرورة الاهتمام (بقرايته) بدراسته وهو يدرس في الصف الخامس الابتدائي وذكّرني بطفولتي عندما كنت أساعد والدي رحمه الله في دكانه.

حال دينار بنك طرابلس المركزي لا يختلف عن دينار بنغازي المركزي كلاهما لا يقبل خارج حدوده الإدارية.

أمّا الورقة النقدية الأكبر (فئة 20 دينار) فهي قد رفضت في البداية إلى درجة اضطرار المواطنين لبيع ال 1000 بقيمة 800 دينار ثم تصالح البنك معها، وهكذا هو الحال التصالح يتم بين الكبار فقط أما البسطاء فحالهم حال الدينار لا ولي لهم إلا الله تعالى.

عذراً أيها المواطن البسيط ويا أيها الدينار فإن حالك لا يختلف عن حال الذين يحملون جنسية البنك الذي أصدرك “الليبية” وهم أيضاً مقدارهم قليل في وطنهم وخارجه ويبدو أن المقدار لا يتعلق بالخروج من الدار أو البقاء فيها بل يتعلق بقيم تم هدمها وسيظل مقدارك أيها الدينار عند الأوفياء كبيراً وندعو الله أن يكون مقدار المواطن كذلك .

لا أظن أن الذين يتصدّرون المشهد تهمهم قيمة الدينار أو حياة المواطن البسيط.

اللهم خذ بثأر الليبيين ممن أهدر دنانيرهم وأرواحهم وشقّ عليهم.

Exit mobile version