محمد أحميدة العباني يكتب// السعودية وزكاة الفطر

محمد أحميدة العباني يكتب// السعودية وزكاة الفطر 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ: فقد طارت فئامٌ من الناسِ فرحاً بتبنِّي بعض مشايخ المملكة السعودية للقول المجيز لإخراج زكاة الفطر نقداً، وظنوا أن الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية الليبية بهذا ستكون في حرج، وما علِمَ أولئك أنَّ هذا لنا وليس علينا، وهو من أدلةِ براءتنا من التبعيَّةِ لأيِّ دولةٍ ينسبُنا إليها المُبغضون، ونقول: سنظلُّ نعتقدُ أنَّ زكاةَ الفطرِ نقداً لا تُجزئُ مخرجها، ولو قال بذلك من قال من أهل العلم الفضلاء، ونعتقدُ أنَّ القولَ بإجزائها خطأٌ، وإن قال به من قال من الأئمة المتقدمين، ولا يقولَنَّ أحدٌ إنَّ هذا طعنٌ فيهم، فإنَّ السابقين في زكاة الفطر نقداً على قولين: تُجزئُ، ولا تُجزئُ، فالقولان إذاً ضدَّان لا يجتمعان، فمن صحَّحَ قولا منهما؛ خطَّأَ الآخرَ لا محالة، وبذلك فلستَ بأهدَى ممن خطَّأَ أبا حنيفةَ، وأنتَ تُخطِّئُ مالكاً، والشافعيَّ، وأحمد!! إلا أن تكون من المُصوِّبةِ الأشعريةِ، الذين يقولون: كلُّ مجتهدٍ مصيبٌ، والقولان وإن تضادا فهما على المحجة البيضاء، مخالفين بذلك قول المعصوم: (إذا اجتهد الحاكم فأخطأ… ) الحديث.

إن الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية مؤسسةٌ ليبيةٌ مستقلةٌ، تدينُ بالإسلام، وتنتهجُ الوسطية، وتعتقدُ عقْدَ السلف، وتتمذهبُ بمذهبِ مالكٍ ولا تتعصبُ له، بل قد تخرُج عنه مُستدِلةً، لا مُتتبعةً للرُّخَص، ولا تابعةً لقُطرٍ، ولا مناكِفةً لفِرقةٍ، ولا طالِبةً لرِضَى الناس.

فإن قال قائل: أنتم جهةٌ إدارية، فما وجْهُ تقحُّمكم لهذه العلوم؟ قلنا له: غفر الله لك! نحنُ مؤسسةٌ لها إداراتٌ ولجانٌ متعددة، كإدارة شؤون القرآن الكريم والسنة النبوية، وإدارة الشؤون الثقافية، وإدارة المساجد، وكاللجنة العلمية… الخ، وإنَّ من اختصاصات بعض إداراتنا الوعظَ على منابر الجمعة، وعلى الكراسي العلمية، وعلى برامج التواصل الاجتماعي، وليس يُنكر أحدٌ وظيفةَ الواعظِ، وما الذي يتحدثُ به الواعظُ؟ العقيدةُ، والفقهُ، والسلوك، اقتباساً من القرآن وتفاسيره، والسُنة وشروحها، ومن كتب الفقه، ونحو ذلك من مصنفات أهل العلم، لذلك يُخطئُ من يتهمُنا بأننا نمارسُ الفُتيا، وأننا نتمرد على اختصاص مؤسسة أخرى، إذِ الفتوى: إخبارٌ عن حكمٍ شرعيٍّ لنازلةٍ يسألُ عنها، ونحن لا نفعل ذلك، بل نَعرضُ مسائلَ العلمِ ابتداءً، ونُبيِّنُ مذاهبَ الأئمةِ، ولا نستقبلُ سؤالاتِ الناس، ومَن أفتى الناسَ من المؤهَّلين التابعين للهيئةِ؛ فإنما يفعل ذلك استقلالاً عن الهيئةِ، لا تابعاً لها.

نعودُ إلى قضيةِ التبعية، فنقول:

نحنُ مؤسسةٌ إداريةٌ، لا نأتمِرُ بأيِّ أمرٍ صادرٍ من خارج البلد: دولةً، أو كياناً، أو حزبا، أو شيخا، أو (مُرشِداً)، أو غير ذلك، بل نرى فعل ذلك خيانةً للوطن، ونرى أن مصلحةَ بلدنا مقدمةٌ على مصلحة غيرها، ولا بأس أن ننفعَ غيرنا وننتفعَ به، ومن كافةِ الدول الإسلامية.

وإنَّ الناظر في اتهامات الأفرادِ والمؤسساتِ للهيئةِ العامة للأوقاف بأنها تابعة للسعودية أو الإمارات – ليجد هذه الاتهاماتِ مُثيرةً للضحك والاشمئزاز معاً، فالهيئةُ – عن طريق اللجنة العلمية – بادرت ببيانات تخالفُ فيها كثيراً مما يُنسب إلى هذه الدول، كموقفها العقديِّ من البيت الإبراهيمي ودينه، وموقفها الفقهي من زكاة الزيتون، وزكاة الفطر، ومن مسابقة عطر الكلام… وفي كلِّ ذلك إنما تتبعُ اللجنةُ إجماعَ العلماء في ما فيه إجماع، وإن كان الخلافُ فمذهب مالك.

وإنه لينبغي للعاقل أن يقف متأملا متسائلا: ما الدليل على هذه التبعية المُدَّعاة: تبعية الأوقاف الليبية للسعودية؟

س: هل صدر عن الهيئة توجيهٌ للناسِ بأن يمارسوا السياحة والتجارة مع السعودية (وأن كل دولار يُدفع له فهو في نصرة الإسلام)؟ (لا).

س: هل أبقَ من الهيئةِ آبِقٌ احتضنته السعوديةُ، وأغدقت عليه المال، وسمحت له بأستديو، يَعوي منه على أبناء بلده ومؤسساتها، بينما يُبَصبِصُ عليها جزاءَ عمالته وكفالته؟ (لا).

س: هل سُجِن للهيئة – منذ 2017- واعظٌ بجنسيةٍ مصريةٍ كانت أرسلته للوعظ في دولة غانا؟ وهل يظهر على صفحتها حروري مصريٌّ يتحدثُ عما شجر بين الصحابة؟ أو حروري سوداني يُفتي بجواز العمليات الانتحارية؟ وغير ذلك من مختلف الجنسيات؟ (لا).

س: هل دعتِ الهيئةُ الليبيين إلى أن يطلبوا الفتوى من مشايخِ السعودية ولجنة إفتائها؟ (لا).

ثم مَن استفتى مشايخَ السعودية أو غيرَها – من السلفيين أو عوام المسلمين – فهذا شأنه، وله عذره، لأن مذهبَ المستفتِي مذهبُ مفتيه، والمستفتي مطالبٌ بالاجتهاد في حال مفتيه عِلماً وورعاً، وما ذنبُ الهيئةِ إن زهِدَ الناسُ فيكم لاعتباراتٍ اعتبروها، وهناتٍ رأوها؟ أصلحوا من أنفسكم، ولا تلقوا باللائمة على الهيئةِ إذْ عجزتم عن كسب قلوب أبناء الوطن، ثم ما هذا الانحطاطُ المنهجيُّ الذي يدفعُ المرءَ إلى الحرصِ على الفتوى واستجدائها؟ هل كان الإمامُ مالكٌ يغضبُ أَنُ استُفتِىَ غيرُه؟ فضلاً عن أن “يدلّلْ بروحه ويهرول ورا الناس: استفتوني استفتوني”؟

وختاماً، إنَّ الهيئةَ العامةَ مؤسسةٌ إداريةٌ ليبية، تمُدُّ يدَ الصداقةِ والعونِ لكافة المؤسسات الليبيةِ النائية بنفسها عن سِفسافِ الأمور، وتخفضُ لها الجناح، وكذلك تقطعُ يدَ ولسانَ مَن بدأَها بالحرب وأرادها سوءٍ، وتُغلِظُ له في القول، والله تعالى يقول: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلِم}، والهيئةُ تباشرُ اختصاصها الذي كفله لها القانون الليبي، ومن ذلك أن بها إدارةً عملُها وعظُ الناسِ وتبصيرُهم بأمور دينهم، ولها لجنةٌ علميةٌ (مكونة من دكاترة وأساتذة في علوم الشريعة) تُشرف على كل عملٍ علميٍ يُنسَبُ إليها، وهي – كما سبق – وسطيةُ المنهج، سلفيةُ الاعتقاد، مالكيةُ المذهب … والهيئةُ تنظُرُ إلى وزارات الأوقاف في كافةِ الدول الإسلامية بنظرةٍ نِدِّيةٍ، لا ترى قَداسةً لإحداها، ولا يدَ عليها، ولا بأسَ بتبادل الخبرات، وبالاستفادةِ من البرامج والمشروعات التي تبنتها كافةُ وزاراتِ الأوقاف بالدول الإسلامية فأثمر خيراً، وليستحِ كلُّ كِيانٍ يتهمنا بالتبعية، فــــ

إنَّ لِسَلْمَى عندنَا دِيوانَا *** يُخزِي فُلاناً وابنَه فُلانَا.

Exit mobile version