
اعتبرت صحيفة الشرق الأوسط أن إحاطة مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، هانا تيتيه، أمام مجلس الأمن أعادت انقسامات الليبيين إلى الواجهة، بعد أن حملت لهجة تحذيرية غير معتادة تجاه المعرقلين، ولوّحت للمرة الأولى باعتماد «نهج بديل» إذا فشل مجلسا النواب والدولة في تنفيذ الخطوات الأولى من خريطة الطريق الأممية.
ونقلت الصحيفة في تقرير عن سياسيون ومحللون ليبيون أن الانقسام الراهن بين طرفي الصراع في غرب ليبيا وشرقها حول إحاطة المبعوثة الأممية أمام مجلس الأمن لا يتوقف عند حدود ردود فعل سياسية آنية، بل هو صراع على النفوذ والشرعية في ظل التوازنات الدولية والإقليمية التي تحيط بالمشهد الليبي المتأزم.
وأشار التقرير، إلى أن الانقسام تجلّى واضحاً في المواقف الرسمية، إذ رحّب رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، بإحاطة تيتيه، مؤكداً التزامه بالتنسيق مع الأمم المتحدة، ودعا إلى توحيد الميزانية، وتعزيز الاستقرار، ومكافحة الفساد، بينما لم يصدر رد فعل عن رئيس حكومة التطبيع عبد الحميد الدبيبة.
في المقابل، شنّ رئيس الحكومة المكلّفة من مجلس النواب، أسامة حماد، هجوماً عنيفاً على المبعوثة، متهماً إياها بـ«تجاوز التفويض الأممي»، و«التدخل في المؤسسات السيادية»، وتوعّد باتخاذ إجراءات دبلوماسية «لحماية السيادة الليبية».
هذا الانقسام حول رسائل تيتيه في إحاطتها يصفه المحلل السياسي ، حسام فنيش، بأنه «تناقض في المواقف مرتبط بتقاطعات دولية وإقليمية تحيط بكل طرف محلي، وفرص وجوده في معادلة سياسية دولية وإقليمية تتشكل».
وأفاد فنيش، بأن «حكومة حماد تمثل واجهة سياسية لطرف فاعل يسعى للحفاظ على نفوذه، بينما يحاول محمد المنفي تقديم نفسه على أنه طرف مستقل يسعى لكسب المجتمع الدولي، من خلال دوره في احتواء التصعيد بطرابلس».
ومن غير المستبعد أيضاً أن يكون هذا الخلاف في المواقف ضمن ما يُعرف بـ«إدارة مدروسة للانقسام» بين مجلسي النواب والدولة، وهي وجهة نظر الباحث السياسي ، خالد الحجازي، الذي يعتقد أن الطرفين «يسعيان للإبقاء على الأمر الواقع خشية فقدان مكاسبهما السياسية»، مستشهداً بلقاءات سابقة رعتها واشنطن بينهما خلال الأشهر القليلة الماضية.
في غضون ذلك، يرى سياسيون أن هذا الانقسام جاء محصلة طبيعية لانتقال المبعوثة الأممية على نحو تدريجي من «لغة التشجيع إلى الضغط»، متوقعين «اقتراب تدخل أممي لفرض خريطة الطريق»، وهي وجهة نظر المرشح الرئاسي السابق فضيل الأمين، الذي يستند في هذا الطرح إلى تحذيرها بأن «ليبيا لا يمكنها احتمال المزيد من التسويف، أو التعطيل»، وإنذارها باتباع «نهج آخر».
يتزامن ذلك مع تواصل المشاورات بين أعضاء من المجلسين حول توزيع المناصب السيادية دون تحقيق اختراق يُذكر بين الأطراف السياسية الفاعلة، التي يرى ناشطون أنها «باتت متشبثة بالسلطة والمال»، بحسب تعبير الناشط، أنس الزيداني.
وتوقع المحلل السياسي، السنوسي إسماعيل، أن البعثة «تمهّد لمرحلة انتقالية جديدة»، لا تستهدف إلغاء المجلسين فوراً، لكنها «تربط تشكيل حكومة موحدة وتوحيد المؤسسات بتجنّب الانهيار المالي، واستعادة الثقة الدولية».
أما الباحث، محمد الأمين، فيرى أن تيتيه «حاولت الموازنة بين التحذير والرجاء، لكنها في الوقت ذاته كشفت عمق المأزق الليبي»، معتبراً قولها إن «أفعال القادة لم توافق أقوالهم» يعكس خيبة المجتمع الدولي، ويفضح «خللاً بنيوياً في منظومة السلطة».
تيتيه