تقرير إسباني: النهر الصناعي إنجاز هندسي استراتيجي يتعرض لضغوط الحرب والأزمات بعد 2011

استذكر تقرير استراتيجي نشره موقع أخبار “دياريو أي أس أس.أيل” الإسباني الناطق بالإنجليزية مشروع النهر الصناعي العظيم وأهميته الاستراتيجية الكبيرة في ليبيا.

ووصف التقرير، المشروع بأنه عمل هندسي عملاق وطموح مولته الدولة في أوائل سبعينيات القرن الماضي دون مساعدة خارجية، مع تأسيس هيئة النهر الصناعي العظيم رسميًا في 3 أكتوبر 1983.

وأوضح التقرير أن المشروع صمم لتزويد الساحل الليبي بمياه أحفورية من الصحراء الكبرى يعود تاريخها إلى العصر الجليدي الأخير، مبينًا أن فكرة المشروع طُرحت في أواخر ستينيات القرن الماضي بعد اكتشاف طبقات مائية جوفية ضخمة في جنوب البلاد خلال عمليات التنقيب النفطي التي انطلقت في 1953.

وأفاد التقرير، بأن هذه الرواسب تنتمي إلى نظام طبقات المياه الجوفية في الحجر الرملي النوبي، والذي يخزن آلاف الكيلومترات المكعبة من المياه العذبة المتراكمة بعد العصر الجليدي الأخير، لافتا إلى أن التحليلات اللاحقة أظهرت أن الاكتشاف عبارة عن خزان مائي أحفوري هائل يتراوح عمره بين 10 آلاف ومليون عام.

وبين التقرير أن الحكومة الليبية خططت في البداية لإقامة مشاريع زراعية واسعة في المناطق الصحراوية، قبل أن يشهد مطلع ثمانينيات القرن العشرين تغييرًا في التوجه ووضع تصاميم لشبكة أنابيب ضخمة تمتد إلى الساحل.

وذكر التقرير، بأن حجر الأساس وضع في منطقة السرير عام 1984، وافتتاح مصانع الأنابيب الجاهزة عام 1986.

وبحسب التقرير، فإن مصانع البريقة والسرير عُدت الأكبر عالميًا لإنتاج الخرسانة مسبقة الإجهاد، مبينا أنه في مارس 1990 وُقع اتفاق بين “يونسكو” وهيئة النهر الصناعي العظيم للتواصل والتعاون المؤسسي، بهدف تسجيل المشروع في سجلات المنظمة والتخطيط لمنح جوائز سنوية لتشجيع بحوث التقنيات الحديثة، مع الإشارة إلى منح جائزتين في عامي 2001 و2007.

وأشار التقرير، إلى أن المشروع أُنجز على خمس مراحل رئيسية، وأن المرحلة الأولى اكتملت في 28 أغسطس 1991 بعد حفر 85 مليون متر مكعب من التربة، لتدخل الشبكة الأولية الخدمة، فيما بدأت المرحلة الثانية في 1 سبتمبر 1996 وأوصلت المياه للمرة الأولى إلى طرابلس.

ولفت التقرير إلى أن الشبكة تمتد عبر الصحراء تضم أكثر من 1300 بئر يزيد عمق كل منها عن 1640 قدمًا، مع طول إجمالي للأنابيب قيد التشغيل بنحو 1750 ميلًا، على أن يصل الطول عبر المراحل المختلفة إلى 2485 ميلًا، وقدرة يومية مقدرة تزيد قليلًا عن 1.7 مليار غالون من المياه العذبة، بما يوفر قرابة 70% من الاستهلاك الحضري في ليبيا، بما في ذلك طرابلس وبنغازي وسرت.

وكشف التقرير عقبات واجهت المشروع بعد 2011، بينها تقليص التمويل الحكومي وانقطاع التيار الكهربائي وتضرر البنية التحتية وصعوبات استيراد قطع الغيار، إضافة إلى استهداف مصانع أنابيب البريقة بضربة جوية لحلف شمال الأطلسي في 22 يوليو من العام نفسه.

وتابع التقرير أن المرحلة الخامسة بكلفة 7 مليارات دولار تقترب من الإنجاز لتوسيع نطاق التغطية إلى مناطق ريفية وشمالية لا تزال غير موصولة بالشبكة، لكنه رأى أن المنظومة لن تلبي احتياجات ليبيا بالكامل في ظل فجوة بين تكاليف الإنتاج وأسعار المستهلكين بما يصعب تحقيق الاستدامة المالية.

وبين التقرير أن الخزان الجوفي مورد غير متجدد كونه يتكون من مياه أحفورية، موضحا أن بعض التقديرات تحذر من نضوبه خلال القرن الحادي والعشرين ما لم يتم اعتماد التحلية والإدارة الفعالة، مع التأكيد على أن المشروع حسن جودة الحياة وخفف الضغط على الخزانات الجوفية الساحلية.

واعتبر التقرير أن الجدوى طويلة الأجل لا تزال غير مؤكدة، موصيًا بتدابير تشمل خطة مالية مستدامة وتسعيرًا فعالًا وصيانة دورية وإدارة ذكية للمياه وتقنيات لترشيد الاستهلاك، إلى جانب دمج التحلية وإعادة التدوير لإطالة عمر المشروع دون المساس بطبيعة استخراج المياه الجوفية الأحفورية.

ونقل التقرير عن الباحثة ليلى التومي قولها إن المشروع لن يوفر كامل حاجة ليبيا المائية حتى بعد اكتمال جميع مراحله، مشيرة إلى أنه سيقدم 607 مليارات و600 مليون غالون سنويًا مقابل طلب متوقع يبلغ تريليونين و600 مليار غالون سنويًا بحلول 2035، ما يحتم الاستثمار في تحلية المياه وإعادة استخدامها. كما أورد التقرير رأيًا للصحفي باتريك هينينغسن اعتبر فيه أن ليبيا يمكنها، عبر مشاريع الري وشبكات المياه، إنشاء مشروع زراعي واسع النطاق وتوفير منتجات للسوق الأوروبية.

النهر الصناعي العظيم

Exit mobile version