اقتصادمحلي

دراسة لمجلس التطوير الاقتصادي تدعو إلى إعادة هيكلة الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل لتلافي آثار توحيد سعر صرف السلبية

 

طرح مجلس التطوير الاقتصادي والاجتماعي حزمة من السياسات المالية والاجتماعية لتلافي الآثار السلبية المتوقعة لقرار المصرف المركزي توحيد سعر صرف العملة الليبية وتغييره إلى أن يصبح مقابل وحدة حقوق السحب الخاصة 0.1555 وحدة للدينار، أي أن الدولار الأميركي يعادل 4.48 دينار ليبي.
ودعا المجلس في دراسة أعدها بهذا الخصوص، حصلت «الوسط» على نسخة منها، إلى دعم الفئات الهشة وذوي الدخل المحدود من أصحاب معاشات الضمان وزيادة مرتباتهم وتحديد حد أدنى جديد لها، وذلك لمقابلة الأسعار التي قال إنها سترتفع بنسبة 20 %، مشيراً إلى ضرورة توفير خدمات الرعاية الصحية الأولية ودعم الأطفال الرضع في جانب الغذاء والتطعيمات.
وطالبت الدراسة التي اعدها المركز بإصلاح نظام الأجور لذوي الدخل المحدود بعد حصر هذه الفئة، وإعداد دراسة لمستوى المعيشة، وإعداد سيناريوهات لهذا الإصلاح بالإضافة إلى ربط مستويات الأجور بمؤشرات الأداء، وتقليص الإنفاق الحكومي الخارجي المتمثل في السفارات لمواجهة احتمال ارتفاع فاتورة الباب الأول في الميزانية «المرتبات»، الذي يتطلب وقف التعاقد أو التعيين في الوقت القريب حتى يتم إصلاح هياكل الوظيفة العامة.
واستهل المركز دراسته بتقديم نظري يشرح فيه مدى تأثير سعر صرف العملة المحلية على الاستقرار النقدي والاقتصادي لكل دولة، كما أنه يعتبر ذا أهمية بالغة في الرفع من مستوى معيشة المواطنين وتحقيق الرفاه الاقتصادي ورغد العيش، وفي مجال العلاقات الاقتصادية الدولية، خصوصاً فيما يتعلق بحركة التجارة والاستثمار والتمويل الدولي، نظراً لأنه حلقة الوصل بين اقتصادات الدول، ويتم استخدامه كعامل لجذب للاستثمارات الأجنبية، ناهيك عن تأثيره الواضح في التوازن الكلي للاقتصاد من خلال علاقته بالمتغيرات الاقتصادية، وفي مقدمتها الميزان التجاري الذي يوضح مدى قدرة اقتصاد الدولة على المنافسة في السوق الدولية، كما أن استقرار سعر الصرف يعد مؤشراً اقتصادياً ومالياً مهماً عند قياس «جودة الأداء الاقتصادي» لأي دولة.
وقالت الدراسة إن هذه الأهمية لسعر الصرف دفعت كافة الدول إلى السعي من أجل ضمان استقراره بالنسبة لعملتها بشكل متناسق، ومتكامل مع السياسات الاقتصادية الأخرى، وذلك لتفادي أية تقلبات حادة من شأنها التأثير بشكل سلبي على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي للدولة .. ومن هذا المنطلق، فإنه عند اتخاذ أي قرار اقتصادي بمثل هذا الحجم ينبغي أن يكون هذا القرار مبنياً على أسس علمية واضحة تعمل على تحقيق رؤية الدولة فى إطارها الكلي، وبالتالي فإنه يجب أن يوضع هذا القرار تحت مجهر البحث والدراسة والتحليل، لمعرفة إلى أي مدى تعد السياسة المتعلقة بسعر الصرف سليمة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وما تأثير هذا القرار على المديين المتوسط والطويل، وما السياسات المصاحبة التي ينبغي أن تنفذ لتكون هذه السياسة ذات جدوى.
وقالت الدراسة انها ولكي تؤدي سياسة تعديل سعر الصرف الهدف المرجو منها لابد أن تكون هناك حزمة من السياسات والإجراءات الإصلاحية المصاحبة (مالية، نقدية، تجارية) بشكل متكامل وعلى مستوى عالٍ من التنسيق، حيث إن تعديل سعر الصرف يكون له تأثير على جميع القطاعات المكونة للاقتصاد المحلي وفئات المجتمع سلباً أو إيجاباً.
واستعرضت الدراسة في نقاط عدة آثار تغيير سعر الصرف على كل قطاع وعلى كل أداة من أدوات السياسة الاقتصادية، مع اقتراحات بالإجراءات التي يجب أن تكون مصاحبة، لضمان نجاح القرار، أو للتخفيف من بعض آثاره السلبية المحتملة.
وفيما يتعلق بالآثار الاجتماعية المتوقعة لتوحيد سعر الصرف، أشارت الدراسة إلى أنه من المرجح ارتفاع أسعار السلع الأساسية في السوق بنسبة يمكن أن تصل إلى 20 % وتأثيرها المباشر على مستوى المعيشة لذوي الدخل المحدود من متقاضي معاشات الضمان الاجتماعي والشريحة الأدنى من موظيفي الحكومة والأطفال الرضع ومرضى الأمراض المزمنة وذوي الاحتياجات الخاصة ولتخفيف أو تجنب هذا الأثر، اقترحت الدراسة: إيجاد سبل لتوفير شبكة حماية اجتماعية للفئات الأكثر تضرراً، وإجراء دراسة لتقييم وتحليل الاحتياجات (السلع والخدمات الأساسية) في جميع أنحاء ليبيا لسد فجوة المعلومات حول الاحتياجات وتحديد نوع الدعم وإدارة وتوفير الخدمات، ودعم الفئات الهشة وذوي الدخل المحدود من متقاضي معاشات الضمان الاجتماعي وزيادة مرتباتهم وتحديد حد أدنى جديد لها، عن طريق وضع معايير واضحة مبنية على دراسة واقعية لمستوى المعيشة، ويتم تعويض الفرق بين معاشات الضمان الحالية والزيادة المستهدفة عن طريق بند يدخل في باب الدعم (الباب الرابع)، وتوفير خدمات الرعاية الصحية الأولية وعلاج الأمراض المزمنة والأورام، وتوفير دعم للأطفال الرضع في جانب الغذاء والتطعيمات.
وحول تأثير قرار تغيير سعر الصرف على قطاع الإيرادات النفطية، قالت الدراسة إنه سيؤدي إلى ارتفاع قيمة الإيراد بالدينار المتولد عن القطاع النفطي، داعية إلى العمل على دعم استقرار الصادرات وزيادة كميات الاستخراج وحسن إدارة الإيرادات النفطية، وزيادة المخصصات المالية للقطاع النفطي بما يناسب التغير في سعر الصرف وبما يضمن عمله وفق أفضل المستويات الممكنة، وإيجاد حل للإيرادات النفطية المحتجزة لدى المصرف الخارجي.
وفيما يخص الضرائب، رأت الدراسة أن القرار سيؤدي إلى انخفاض الإيرادات الضريبية الحقيقية، مقترحة حزمة إجراءات لمعالجة ذلك، وهي: إعادة النظر في قانون الضرائب، وتوسيع الأوعية الضريبية، وتحسين أنظمة الجباية، وتطوير نظام الحوكمة في مصلحة الضرائب.
كما أوضحت الدراسة أنه من المرجح كذلك انخفاض الإيرادات الحقيقية للرسم الجمركي، مطالبة بالعمل على إعادة جدولة التعريفات الجمركية، وتحسين أنظمة الجباية الجمركية، وتطوير نظام الحوكمة في مصلحة الجمارك. وبالمثل، فإن القرار سيؤدي إلى انخفاض القيمة الحقيقية للإيرادات الأخرى، ما يوجب وفق معدي الدراسة، إعادة جدولة الرسوم مثل (تراخيص مزاولة التجارة أو الاستثمار ـ مخالفات بيئية أو اقتصادية أو صحية… إلخ).
وتوقعت الدراسة أن يؤدي القرار إلى ارتفاع تكلفة الخدمات العامة والخدمات المرتبطة بدعم المحروقات مثل (الكهرباء ـ المياه والصرف الصحى ـ النظافة)، واستئناف جباية الخدمات العامة مثل (الصرف الصحي ـ النظافة.. )، مقترحة تحسين أنظمة الجباية باستخدام أحدث أساليب التقنية الحديثة، وإعادة جدولة رسوم الخدمات العامة مثل (سعر الكيلووات في الساعة لخدمة الكهرباء المنزلية الذي يبلغ 20 درهماً أي 0.44 سنت للدولار أي أقل من نصف سنت، علماً بأن القطاع المنزلي يمثل نسبة كبيرة من مجموع الاستهلاك الكلي للكهرباء).
ورجحت الدراسة احتمال توفير فوائض إضافية من العملة الأجنبية للمصرف المركزي مما سيزيد من الاستدامة المالية، قائلة إنه يجب أن يتم إعداد سيناريوهات مستمرة لكل الظروف التي من المتوقع أن تؤثر في الاستدامة المالية وتقييم المدة المتوقعة لهذه الاستدامة، والسير عكس الدورة الاقتصادية.
وفيما يخص النفقات العامة رجحت احتمال ارتفاع فاتورة الباب الأول بسبب توفر فوائض مالية، ودعت إلى إيقاف التعاقد أو التعيين في الوظائف العامة في الوقت القريب حتى إصلاح هياكل الوظيفة العامة، وإصلاح نظام الأجور لذوي الدخل المحدود بعد حصر هذه الفئة وإعداد دراسة لمستوى المعيشة وإعداد سيناريوهات لهذا الإصلاح مبنية على مسوحات وبيانات حقيقية، وربط مستويات الأجور بمؤشرات الأداء، وتقليص الإنفاق الحكومي الخارجي المتمثل في السفارات.
وتوقعت الدراسة ارتفاع فاتورة الباب الثاني بنسبة قد تصل إلى 200 % بسبب تغيير سعر الصرف المستخدم في مشتريات الحكومة وكذلك بسبب توفر فوائض مالية ناتجة عن سعر الصرف الجديدة، ودعت إلى الالتزام بضوابط قوانين الرقابة المالية بصورة فاعلة، بما يؤدي إلى ترشيد الإنفاق، وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق وأولويات المشاريع حسب الأهمية، وربط الإنفاق المتوقع بالنتائج والأهداف المرجوة من الإنفاق، وتوجيه الجزء الأكبر من الفوائض المالية نحو الإنفاق التنموي ودعم التنمية المحلية والمشاريع الغرى وريادة الأعمال، ووضع معايير وضوابط للبعثات الدبلوماسية بالخارج وللطلبة الموفدين للخارج بما يضمن ترشيد هذا البلد، وإصلاح نظام الدعم وتوجيهه نحو الفئات المستحقة له (أصحاب الدخل المحدود)، واستخدام نسبة من هذه الفوائض المالية لإطفاء الدين العام سنوياً.
وفيما يتعلق بالقطاع المصرفي، قالت الدراسة إن قرار تغيير سعر الصرف سيؤدي إلى ارتفاع القيمة الدفترية لأصول المصرف المركزي المقوَّمة بالعملة الأجنبية، وتوفير فوائض مالية في الحسابات الجارية لدى المصارف، مقترحة تخصيص نسبة من ودائع المصارف للإقراض الإنتاجي. كما أشارت الدراسة إلى احتمال تحقيق انخفاض في القيمة الحقيقية لعرض النقود، مطالبة بعدم التوسع في الإصدار النقدي (طباعة عملة جديدة)، وإدارة العرض النقدي بشكل علمي ومدروس
كما رجح معدو الدراسة، أن تتوفر السيولة في المصارف بسبب القدرة على تلبية الطلب على النقد الأجنبى (علما بأن بين 80 % و90 % من قيمة الوحدة الواحدة من الدينار الليبي تتحول إلى طلب على النقد الأجنبي)، مقترحة اتخاذ إجراءات مقابلة بفتح الاعتمادات، وفتح المقاصة.
وطالب معدو الدراسة بالعمل على تعديل سعر الصرف بشكل مستمر بحسب الظروف الاقتصادية وصولاً إلى السعر التوازني، لافتة إلى أن ذلك سيؤثر على السوق الموازية وقدرته على التأثير في أسعار السلع، مطالبة في الوقت نفسه بتوفير النقد الأجنبي للجميع بلا استثناء.
أما عن أثر القرار على قطاع الصادرات، فإنه سيؤدي إلى تغير في القيمة الدفترية للصادرات المقومة بالدينار الليبي، منادية بضرورة إعداد خطة لتعزيز الصادرات (على المدى المتوسط) من خلال تشجيع الاستثمار المحلي وجذب الاستثمار الأجنبية. كما رأت الدراسة أن الطلب على الواردات سيتواصل بسبب عدم وجود بدائل محلية لها، مشيرة إلى أن أي انخفاض في الطلب عليها سيكون بسبب ضعف القوة الشرائية. واقترحت الدراسة إعداد خطة لتقليل فاتورة الاستيراد (على المدى المتوسط) من خلال تشجيع الاستثمار المحلي وجذب الاستثمار الأجنبية.
ودعا معدو الدراسة إلى بحث أثر تغيير سعر الصرف على معدل البطالة، موضحين أنه من المتوقع أن يزداد معدل البطالة نتيجة ضعف الادخار، وبالتالي الاستثمار بسبب تآكل القوة الشرائية للدينار .. واقترحوا باتخاذ حزمة إجراءات في مواجهة ذلك وهي: توجيه الفوائض المالية المتحققة نحو الإنفاق الاستثمار والتنمية المكانية، والرفع من الإقراض الإنتاجي، وتطوير التدريب المهني والتوسع في برامجه للعاطلين عن العمل، ودعم الصناعات كثيفة العمالة (البناء والتشييد ـ الزراعة)، ودعم المشروعات الصغرى والمتوسطة وريادة الأعمال، وجذب الاستثمارات المباشرة عن طريق إنشاء مناطق ذات طبيعة خاصة ومناطق حرة.
وأشارت الدراسة إلى أنه من المحتمل أن يزداد الطلب على الاستثمارات التي تتطلب يداً عاملة بسبب انخفاض تكلفة الأجور مثل (قطاع الإنشاءات)، لكن من المتوقع خروج اليد العاملة الماهرة الأجنبية ودخول اليد العاملة المحلية للسوق، التي لا تتمتع بالمهارة اللازمة. وفي هذه النقطة، دعت الدراسة إلى بحث احتياجات ومتطلبات سوق العمل، وتدريب وتأهيل العمالة الوطنية بحسب متطلبات سوق العمل.
وبينت الدراسة أنه لا يمكن التنبؤ بتأثير سعر الصرف على حجم الاستثمار بسبب عدم توفر البيانات المتعلقة بحجم الاستهلاك والادخار وصافي الاستثمار وبالتالي فإن هناك احتمالاً بأن ينخفض حجم الاستثمار بسبب انخفاض الإدخار الناتج عن ضعف القوة الشرائية للدينار. وطرحت الدراسة مقترحاً لهذا المحور من آثار تغيير سعر الصرف، بأن يتم تشجيع القطاع الخاص من خلال تطوير التشريعات المنظمة له، وتقديم الحوافز الضريبية، وتسهيل الحصول على الائتمان، وتطوير نظم الحكومة، وتعزيز إجراءات الشفافية، ومكافحة الفساد، وتشجيع مشاريع الريادة والصناعات الصغرى والمتوسط، واستئناف مشاريع البنية التحتية الكبرى.
وتوقعت الدراسة كذلك، ارتفاع أسعار السلع الأساسية (السلة الغذائية) بنسبة 20 %، مطالبة لمعالجة هذا الأثر بفتح الاعتمادات لإطفاء موجهة ارتفاع الأسعار بسبب شح عرض السلع، كما طالبت الدراسة بالتنسيق بشكل متكامل وفعال بين أدوات السياسة الاقتصادية، لتحقيق استقرار في الاقتصاد المحلي وتحقيق التوازن الداخلي والخارجي، وإرسال رسائل إعلامية ايجابية بأن برنامج التعديل سيكون على شكل حزمة إجراءات مصاحبة لضمان نجاحه، بما يؤدي إلى تطمين المواطن بقدرة الحكومة على ضمان الاستقرار في مستوى المعيشة وخلق بيئة إيجابية للمستثمر المحلي والأجنبي.
ورأت الدراسة أن تغيير سعر الصرف سيؤدي إلى مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك من خلال ضبط الأسعار داخل السوق وضمان عدم أيلولة الموارد المالية الليبية للجماعات الإرهابية، خاصة مع إتباع أسلوب الرقابة الوقائية، بما يؤدي إلى التنبؤ بوقوع الخطأ واكتشافه قبل حدوثه. كما دعت إلى ضرورة العمل من أجل تطوير عمل الأجهزة الرقابية لمكافحة الفساد، بما يسفر عن ضمان كفاءة أداء السياسات الاقتصادية والأجهزة الحكومية، وتحسين مستوى الخدمات. ولفتت الدراسة إلى أن اتباع تلك الإجراءات من شأنه توفير فوائض مالية مما سيمكن الجهات المعنية من تقديم الخدمات في حالة تم توجيه هذه الفوائض نحو تطوير تلك الخدمات.
وختمت الدراسة بالدعوة إلى إعادة هيكلة الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل، موضحة: «يجب العمل على تحقيق هذا الهدف نظراً لعدم قدرة الاقتصاد الليبي على الاستمرار بنفس السياسات السابقة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال صياغة رؤية وتحديد الأهداف ورسم السياسات والتخطيط لها وإعداد البرامج التنفيذية لتكون واقعاً ملموساً وبما يحقق التنمية ورفاهية المجتمع».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى