تقاريرمحلي

تقرير الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان لعام 2020 يرسم مؤشرات عن سياسة واشنطن المقبلة تجاه ليبيا

تعيد الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس جو بايدن بلورة استراتيجية جديدة في ليبيا خلافا لتلك التي تبناها الرئيس السابق دونالد ترامب.
إدارة بايدن لاتبدو متساهلة مع التجاوزات التي ارتكبتها قوات الكرامة وعلى رأسها حفتر، بحسب تقرير الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان لعام 2020، الذي صدر الثلاثاء الماضي والذي يتهم قوات الكرامة وحفتر بالتورط في عمليات قتل تعسفي وغير مشروع وإخفاء قسري وتعذيب، وتجنيد أطفال واستخدامهم في الصراع.
التقرير يكشف ايضا عن استيلاء جماعات متحالفة مع حفتر على مدينة سرت وتعرض العديد من المدنيين للاختطاف والاحتجاز بسبب ولائهم للحكومة التي كانت تدير غرب البلاد .. وايضا جرائم مليشيا الكاني في مدينة ترهونة .
هذا التقرير يعتبر مؤشرا على تحرك واشنطن خلال المرحلة المقبلة تجاه قوات الكرامة وحفتر، في ظل انتشار الاغتيالات والاختطافات خاصة في مدينة بنغازي، التي يكاد يخرج الوضع الأمني فيها عن السيطرة.
وشدد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال عرضه للتقرير، على استخدام عبارة “كل أدوات دبلوماسيتنا للدفاع عن حقوق الإنسان ومحاسبة الذين يرتكبون الانتهاكات”.
وسبق لمستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، أن أصدر بيانا في 12 الربيع/ مارس المنصرم، أكد فيه العمل “على تعزيز المساءلة لأي طرف يسعى إلى تقويض خارطة الطريق الانتخابية التي وضعها الليبيون” في رسالة موجهة بشكل رئيسي لحفتر، الذي أجهض محاولات سابقة لإجراء انتخابات في 10 الكانون/ديسمبر 2018، كما نص عليها اتفاق باريس، وأيضا انتخابات ربيع 2019، بحسب اتفاق باليرمو الايطالية، بين أطراف الصراع.
لكن حفتر اختار ربيع 2019، موعدا لبدء هجومه الكبير على طرابلس بدل إجراء الانتخابات، خاصة بعد المكالمة الشهيرة التي أجراها مع إدارة ترامب، واعتبرت “ضوءا برتقاليا” لمواصلة القتال، الذي استمر 14 شهرا، وخلف آلاف القتلى والجرحى، وجلب معه الخراب والمئات من مرتزقة “فاغنر” الروس.
وتراهن الولايات المتحدة والأمم المتحدة على إجراء انتخابات ليبية ذات مصداقية وتوفير الخدمات العامة الأساسية لإنهاء النزاع من خلال عملية سياسية شاملة، بحسب بلينكن، الذي أجرى اتصالا هاتفيا مع رئيس حكومة الوحدة المؤقتة عبد الحميد الدبيبة.
ويشكل انتشار نحو ألفين من مرتزقة “فاغنر” في ليبيا، مصدر قلق كبير للولايات المتحدة، خاصة في ظل معلومات حول مساعي موسكو لإقامة تواجد عسكري دائم في البلاد، ما يمثل أكبر تهديد لمصالح حلف شمال الأطلسي “الناتو “جنوب المتوسط.
حيث يواصل مرتزقة “فاغنر” حفر الخنادق وتحصين مواقعهم، بحسب تقارير لمليشيات ماتسمى “بركان الغضب”، ما يؤشر على أن انسحابهم قد لا يكون قريبا.
لذلك تسعى واشنطن لتنشيط دور حلفائها الأوروبيين من أجل وضع ليبيا على جدول أولوياتهم، في مواجهة أي تمدد روسي بالمنطقة.
وفي هذا السياق جاءت مشاركة بلينكن في اجتماع وزراء خارجية الناتو، في 23 الربيع مارس، ببروكسل، لبحث عدة ملفات بينها التحديات التي تمثلها روسيا في ليبيا.
وبعد يومين من هذا الاجتماع زار وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا، العاصمة طرابلس، للتعبير على أن أوروبا موحدة بموقفها تجاه الوضع في ليبيا، والتأكيد على مساندتها لحكومة الوحدة المؤقتة.
ويعزز هذا الموقف الأمريكي الأوروبي الداعم لحكومة الوحدة، تآكل الثقة الدولية في حفتر، الذي يتحمل المسؤولية الرئيسية في استجلاب المرتزقة الروس إلى ليبيا.
من جانب آخر تستبعد عدة أوساط أمريكية متابعة للملف الليبي لجوء الولايات المتحدة إلى القوة لإخراج مرتزقة “فاغنر” من ليبيا حيث انه ومن نتائج التدخل العسكري الأمريكي في ليبيا عام 2011، تثبيت المرتزقة الروس أرجلهم في قاعدتين جويتين في كل من سرت والجفرة ، وهذا آخر ما كان يتوقعه صانع القرار الأمريكي قبل عشر سنوات.
لذلك من المتوقع أن تُفعّل واشنطن أدواتها الدبلوماسية والاقتصادية للضغط على موسكو لإخراج مرتزقتها من ليبيا، وأيضا قد يطال هذا الضغط حلفاءها في المنطقة الذين سهلوا من تواجد “فاغنر” في الجناح الجنوبي لحلف الناتو.
وبالتالي يمكن اعتبار تجميد إدارة بايدن لصفقة بيع طائرات “إف35” للإمارات جزءا من الضغط الأمريكي على أبوظبي لوقف تنسيقها العسكري مع روسيا في ليبيا.
لكن بايدن يواجه انقساما في رؤية الحزبين الديمقراطي والجمهوري بالكونغرس تجاه الحل في ليبيا اذ بينما صادق مجلس النواب الأمريكي على “قانون دعم الاستقرار في ليبيا”، في الحرث/ نوفمبر الماضي، ما زال القانون معلقا على مستوى مجلس الشيوخ ذي الغالبية الجمهورية.
لكن هذا الانقسام لم يمنع واشنطن من إدراج مليشيا الكانيات، التابعة لحفتر، على قائمة العقوبات، في نفس الشهر.
وينص “قانون دعم الاستقرار في ليبيا”، على إعداد قائمة بأسماء المخترقين للقانون الدولي ولحقوق الإنسان في ليبيا، وفرض عقوبات ضد من ارتكبوا جرائم حرب أو جرائم مالية.
وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من ولاية بايدن، ابدت واشنطن انخراطا أكثر في الملف الليبي، لاستعادة المبادرة من أطراف دولية على رأسها روسيا.
ايضا سعت لتنشيط حلفائها الأوروبيين من أجل مزيد من التدخل في الملف الليبي، لكنها تواجه انقساما داخليا في الكونغرس عرقل اعتماد “قانون الاستقرار في ليبيا”.
ورمت واشنطن بثقلها خلف إجراء الانتخابات في موعدها، مع تهميش دور حفتر دون استبعاده تماما، لقدرته على تقويض السلام في البلاد كما قال التقرير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى