محليمقالات

ليبيون .. خطرها على الكتابة التاريخية (1) ..

بقلم// عبد الله عثمان عبد الرحيم

ليبيون .. خطرها على الكتابة التاريخية (1) ..

– على الفرق بين الكتابة عن التاريخ والكتابة للتاريخ والكتابة خارج التاريخ .. ولكل منها اهدافه وغاياته .. تسميته واشتراطاته .. قواعده ومناهجه ..

– على الفرق النظري بين الحق “المطلق” المذكر حصريا .. والحقيقة “النسبية” المؤنثة تعدديا .. والتى تجعلها متعددة المنطلقات والمآلات .. وبمعنى آخر “لكل حقيقته” التى لن تكون بالضرورة “الرواية ” الوحيدة المعبرة عن حقيقة الحدث ..

– على الكتابة التاريخية “المتعثرة ” في المجال الثقافي العربي الممتد زمنيا منذ اربعة عشر قرنا دون انقطاع .. والذي مازالت احداثه تروي حسب بواصل واتجاهات ونتائج  صراعات وعقائد ومذاهب فرق وتيارات والاحزاب المتصارعة على السلطة منذ لحظة “الولادة التوأمية” بين “الدولة والدعوة” واتفاقهما على خدمة احداهما للأخرى .. وقبول وشرعنة توظيف كل طرف من الأطراف المتصارعة على السلطة “للمقدس وللعصبية و الغنيمة ” في معركته حول السلطة مع الأطراف الآخرى ..

– على اهمية الحاجة الى التوثيق العلمي التاريخي والموضوعي الذي ينشد الحقيقة .. ومساهمته فى حفظ وصيانة ذاكرة الشعوب .. المهمة التى ينبغي ان يتصدي لها المؤرخين الذين يمتلكون المناهج العلمية المساعدة على ذلك وليس نشطاء السوشيال ميديا او المتنازعين على الشرعية والسلطة والمغانم  ..

– على “خصوصية الكتابة السياسية” من حيث انها كتابة ترتبط بالضرورة بالسلطة والصراع .. قبولا او معارضة .. وانها كتابة ذات اهداف متحققة او مأمولة .. لذلك فهي كتابة تنطلق من الذات وتعود اليها .. ولذلك تكون  “حقائق مروياتها” مرتبطة بسياجات وحدود اهداف اطرافها .. مواقفهم وانفعالاتهم .. وحتى هذيانهم ..

– على الفرق الكبير بين “السير الذاتية” التى تصنف ضمن “الأدب السياسي ” الذي يأتي في مرتبة متأخرة من حيث اهمية مساهمته في الاستناد التاريخي والكتابة التاريخية التى تحتاج الى مناهج محددة خارج اطار الانفعالات او المواقف او الرغبات النفسية المشوهة .. المكبوت منها والظاهر ..

– على الفرق الكبير بين “تناول مرحلة تاريخية معينة ” والكتابة عنها من قبل اشخاص عملوا بها .. ربما يحركهم السعي والحاجة الى ابراز ادوارهم او ماقاموا به من مهام اثنائها .. حتى حين يجتهدون في ابراز ان تناولهم لها غير محكوم بتجربتهم المنحازة .. سلطة او معارضة ..

وبين :

كتابة السير الذاتية المشخصنة .. التى عادة ماتكون موجهة من قبل رؤية او هدف او موقف او تموضع شخصي .. انحيازا او معارضة .. وتعبير عن مواقف قديمة او مستحدثة مما يضعف مصداقيتها وموضوعيتها ودورها في توثيق الحدث التاريخي ..

– على “مشهدية البطل الوحيد ” التى تطبع السير الذاتية .. حين يظهر الراوي بمظهر ( الطاهر / الذكي / الشاطر / الزعيم / ذات الحظوة والتأثير ) .. لينسب كل ماهو ايجابي في مرحلة ما له دون سواه .. وتبيان معارضته “الهامسة” في احسن الظروف لما عداها  .. والتنصل من كل ماهو سلبي فيها وان ثبتت مساهمته فيه  .. بهدف “الخلاص الفردي” بغية “التنصل من العلاقة بالنتائج” التى ادت اليها وتحميل الآخرين مسؤوليتها والتضحية بهم ..

– على “السير الذاتية ” التى تعكس رؤية او موقف شخص ما كان ضمن منظومة خلال مدة تاريخية محددة .. لايحق له ادعاء ” المعرفة الشمولية او مركزيته فيها” الا خلال المدة الزمنية المحددة لعمله فيها وعدم المعرفة او الإلمام بكل ماعدا ذلك وان كان صغيرا او هامشيا او ماحدث بعد ذلك خاصة اذا كان مليء بالتحولات والتغيرات ..

– على كتابات السير الذاتية التى تلحأ الى مخاطبة  الغرائز والرغبات “البورنو” حين يفلس كتابها .. بأن يلجأون الى التقليد السينمائي المتقمص لدور “البطل الرئيسي الوحيد ” .. المختلف جذريا عن محيطه والذي ينتصر في كل معاركه ويهزم كل المحيط المعادي له .. وليتم تصوير ذلك في مشاهد ليس للآخرين الدور والتأثير الكبير او الفارق فيها .. للمفارقة ..

– على البيئة الثقافية العربية التى يسعي كتاب السير الذاتية فيها الى تبيان موقف الكاتب “المكبوت او المستجد” من السلطة التى ينتمي وظيفيا وتاريخيا لها .. دون ان يكون “للراوي ” دور ذو فارق “معرفي” كبير في احداثها .. لذلك لايكون لها مساهمة مهمة في  محاولة توصيف للحقيقة الموضوعية حول ماحدث على الأقل. ..

– على صعوبة الموضوعية او انتهاج منطق واسلوب الحياد في كتابة السير الذاتية للفاعلين سياسيا حين يتم تتناول احداث سياسية  .. لأن كتابها جزء من حالة سياسية وصراعية قائمة الى اليوم .. وبما يدفع البعض الى رد فعل ( من نفس جنس التناول) يذهب الى اعتبار مثل هذه الكتابات هي نوع من محاولات :

تبرئة الذات .. بالتنصل والانتقام من محطات في سيرتها .. وتحويلها الى “سردية ” لفضح ومعاقبة خصوم ذاكرتها الذين اعاقوا تحقيق طموحاتها واهدافها  .. رغم اجتهاد كتابها في محاولات اضفاء الصحة وحصرية الحقيقة بالتضحية بالحقيقية الموضوعية بهدف تحقيق “الخلاص الفردي” ..

فعلى سبيل المثال :

-هل تناولت السير الذاتية التى كتبت من قبل من عملوا مع “مرحلة الملكية” ماحدث فيها من سياسات يمكن ان تكون قد ادت الى تبرير تغييرها او الخروج عليها .. مهما كانت التسمية التى يتم اطلاقها على الفعل ..

– وهل تناولت السير الذاتية التى كتبت من قبل منتمين الى النظام السابق واركانه ادوارهم في كل ماحدث من ما اعتبروه اخطاء اجتهدوا في التنصل من دورهم فيها ولو كان صغيرا او مواربا .. وتحت ضغط اكراهات  اهداف وطموحات او الموقف من اطراف اللحظة الحالية ..

وهل تناولت السير الذاتية التى كتبت من قبل معارضين للنظام السابق – خاصة الذين يقدمون انفسهم اليوم كقادة لأحداث فبراير – ادوارهم في العلاقة مع الأجنبي بكل تجرد وموضوعية او حتى في ما حدث من محطات بعد ذلك ومهما كانت هذه المبررات في ظروفها قياسا بنتائجها وآثارها التى نعيشها اليوم ..

ولعل ذلك كله يحيلنا الى السؤال الإطاري العام :

هل يمكن للكتابة السياسية التاريخية  خاصة التى تتزامن مع مرحلة الحدث الصراعي ( شخوصا او آثارا  ) ان تكون صادقة وموضوعية وأن تنشد الحقيقة خاصة حين لاتمتلك ادوات ومناهج تحقق لها ذلك ..  ولتتحول الى “رواية” لشخص  او “سردية”  لطرف .. وبعضها الى “هذيانات” مكتوبة ..

والخلاصة  ..

عندما يتم التدوين في زمن تفاعلات الحدث التاريخي .. يصبح “التوظيف والاستخدام” هدف وحاجة واولوية تسبق الرغبة في “المعرفة او الوصول الى الحقيقة” .. وتصبح الحقيقه ضحية كل العصور ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى