محليمقالات

أيهما يستحق أن يكون عيد الإستقلال؟

استقلال الدولة، وهو مصطلح سياسي يعني في مفهومه غياب التبعية، ومن الناحية السياسية ينطوي على تمتعها بالسيادة أى حق الدولة في أن تمارس بنفسها مجموع صلاحياتها الداخلية والخارجية دون تبعية لدولة أخرى أو لسلطة دُولية مع وجوب مراعاة القانون الدُولي واحترام التزاماتها الاتفاقية.

وفي هدى هذا، نستطيع القول أن ليبيا لم تصبح بلدًا مستقلًا وذا سيادة، بالفعل، لا بعد هزيمة إيطاليا عام 1943 وسيطرة بريطانيا على شرق وغرب ليبيا، وفرنسا على جنوبها، ولا بعد إقرار منظمة الأمم المتحدة لإستقلال ليبيا عام 1949، ونستطيع أن نضيف أنه، بالتأكيد، لم تصبح كذلك بعد إعلان الدستور وتأسيس المملكة الليبية المتحدة عام 1951. وربط استقلال ليبيا بإعلانه على لسان الملك ادريس السنوسي يوم 24 ديسمبر1951 ليس هو مغالطة وتغليط فقط، لكنه انحراف يرقى إلى درجة التزوير والتزييف ذلك ان الجمعية العامة للأمم المتحدة هي التي أصدرت القرار رقم 289 في 21 نوفمبر 1949 الذي يقضي بمنح ليبيا استقلالها في موعد لا يتجاوز الأول من يناير 1952، وعينت الدبلوماسي الهولندي السيد أدريان بلت مندوبا خاص للأمم المتحدة في ليبيا، وكذلك أنشأت مجلس الأمم المتحدة الخاص بليبيا ليساعد المندوب الخاص في أداء مهمته على تنفيذ قرار الأمم المتحدة، وعُرف بمجلس العشرة لأنه يتألف من عشرة أعضاء يمثلون الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا وايطاليا ومصر وباكستان ومندوب من كل أقليم من أقاليم ليبيا الثلاث (برقة وطرابلس وفزان) والعضو العاشر يمثل الأقليات في ليبيا.

لكن، الواقع برهن أنه لا علاقة للاستقلال الحقيقي: لا بالنصوص ولا بالنوايا، والليبيون سقطوا في براثن استعمار من نوع جديد، لايختلف عن استعمار الإحتلال الإيطالي المباشر.

بتابث إن المتأمل في صورة الواقع الليبي في الخمسينيات والستينيات ليدرك أن البلاد لم تتحرر بإعلان الإستقلال في 24 ديسمبر 1951، وأن ما سُمى استقلالا آنذاك إنما هو كلام مزيف، وان الاستقلال الحقيقي لليبيا، إنما بدأ يتحقق مع قيام ثورة الفاتح من سبتمبر 1969 التي أطاحت بالحكم الملكي السنوسي العميل.

فكما هو معروف أنه رغم إعلان منظمة الأمم المتحدة عن منح ليبيا لإستقلالها في موعد لا يتجاوز الأول من يناير 1952، إلا انها واقعيًا ظلت تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة التي كانت تشرف على تأسيس هياكل حكم المملكة الليبية الوليدة إلى غاية عام 1963، ناهيك عن أن الدول الإستعمارية احتفظت لنفسها بمعاول التدخل في شؤون ليبيا الداخلية من خلال ربط البلاد بمعاهدات سياسية واقتصادية وعسكرية سمحت لأمريكا وبريطانيا بإقامة العديد من القواعد العسكرية الجوية والبحرية والبرية، بهذا وفي ظل وجود تلك القوات والقواعد العسكرية الأجنبية فقد رجعت ليبيا التي كان من المفترض انها تتمتع باستقلالها المزعوم إلى الإحتلال العسكري المباشر! علاوة على ربط اقتصاد البلاد بتلك الدول الإستعمارية من خلال بنك روما والشركات النفطية الأمريكية والبريطانية والإيطالية والفرنسية، ومائة وعشرة الف من المستوطنين الطليان الفاشيست الذين كانوا يستولون على قطاعات الإقتصاد والتجارة والصناعة والزراعة. فعن أي استقلال يتكلمون؟

أي بلد يستحق أن يُوصف بالبلد المستقل هذا الذي يحتضن القواعد العسكرية الأجنبية؟ أي وطن يمكن أن نعتبره ذا سيادة وشعبه لا يقدر أن يدخل الأحياء الخاصة بالأجانب، ولايُسمح له أن يتنقل عبر شوارع المدن أيام الآحاد حرصًا على مشاعر الأجانب؟ أي كرامة لشعب مسلم تعج مدن بلده المستقل! بالخمارات وبيوت الدعارة المُشرعة بحكم القانون الصادر بإسم ملك البلاد المفذى؟ والسكارى الأجانب يقذفون مواطنيه بـ علب وقناني الجعة والنبيذ والويسكي الفارغة. أهذا هو الإستقلال؟

إن ثورة الفاتح من سبتمبر عام 1969؛ سعت في نصرة دين الله حيث قامت مباشرة بقفل الخمارات ودور الدعارة وجرّمت شرب الكحول وممارسة الرذيلة، وحوّلت الكنائس إلى مساجد إسلامية، وطهرت ليبيا من دنس احدية عساكر المستعمرين، واستعادت املاك ليبيا من المستوطنين الأجانب ووزعت المزارع والمساكن والمحال التي كانت بحوزتهم على الليبيين البسطاء الذين كانوا مستخدمين لدى هؤلاء الأجانب.

وإن يوم الإستقلال الحقيقي لليبيا هو يوم قيام ثورة الفاتح من سبتمبر 1969 فهو اليوم الذي كان فجره إيذانا ببداية مرحلة جديدة يتسلم فيها أبناء ليبيا مصير بلادهم، حيث عطلت العمل في القواعد العسكرية الأجنبية منذ اللحظة الأولى لإنبلاجها وطردت بشكل نهائي القواعد البريطانية في مارس 1970 والقواعد الأمريكية في يونيو 1970 وبقايا المستوطنين الطليان في أكتوبر 1970.

وبهذا جعلت الليبيين يتمتعون بالحرية والكرامة والكبرياء، وفوق ذلك وفي فترة زمنية قياسية تمكنت من تحرير الإقتصاد الليبي من خلال تأميم المصارف والشركات الأجنبية عام 1973.

وأرغمت حكومة إيطاليا على الأعتذار رسميًا وعلنًا للشعب الليبي عن فترة استعمارها لليبيا ودفع تعويضات بمليارات الدولارات وتقديم خدمات صحية وتعليمية وفنية.

ختامًا أقول؛ نعم في التّاريخ شُبهات؛ لكن توجد شهادات، لذا، مهما حاول اليوم المفترون على التّاريخ تجميل صورة المملكة السنوسية العميلة يبقى التّاريخ شاهدًا على الحقيقة كاملة وتامّة.
وسيبقى لثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة تاريخ حافل يشرّفنا في المحافل، يجلب لنا المفاخر، هكذا يقول التّاريخ وينطق الواقع.

إشتيوي مفتاح محمد الجدي
دبلوماسي ليبي سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى