مقال: بقلم رمضان عبد السلام
كانت بريطانيا قبل الميلاد عرضة للغزوات من جوارها فتشكلت بالغزو ديموجرافيتها.
الانجليز و السكسون【English and Saxons】 ثم الدانيين 【Danes】 ، و النورمان【Normans】من بعدهم هم لحمة السدى الأول لسكان الجزيرة.
بعد عصر البخار صارت بريطانيا غازية لا مغزوة فجذبت إليها الهجرات من البلاد التي غزتها و احتلتها ليختلط سداها من جديد حتى كادت لحمته ان تكون من المهاجرين..
من النادر اليوم ان تجد مكاناً في الجزيرة لم يتلون بأصباغ المهاجرين إليها …
إن ديموجرافية الجزيرة الحالية هي خليط من كل أولئك الغازين و المغزوين .
جغرافياً تنقسم بريطانيا في تضاريسها و مناخها
إلى منطقتين:
- منطقة المرتفعات
- منطقة السهول .
في جنوبي و شرقي قوس متخيل يمتد من مدينة إكستر 【Exeter】 في الجنوب الغربي مرورا بوادي نهر السِفِرْن 【River Severn】ثم جبال و هضاب بنّين 【Pennines】 الى نهر التاين 【River Tyne】، تقع معظم الأراضي السهلية ، و في شماليه و غربيه؛ تقع الأراضي المرتفعة التي كانت مانعاً طبيعياً توقفت عنده جميع الغزوات من الشرق نحو الجزيرة خلال العصور الأولى .
حين غزا الرومان الجزيرة ، توقفوا عاجزين عن تجاوز الأراضي السهلية. تكفلت اسكتلندا وحدها بمنعهم من التقدم فأقاموا تنظيماتهم المدنية و العسكرية عند خط فورث-كليد 【Forth-Clyde】. إكتفى الرومان بالسور الذي بناه الإمبراطور هادريان 【Hadrian 】سنة 123 م عَبْرَ الجهات الشمالية من مضيق السُّلواي【Solway Strait 】إلى مصب نهر التاين، ليكون حدا نهائيا بين بريطانيا الرومانية و بلاد اسكتلندا التي عجز الرومان عن إخضاعها لامبراطوريتهم.
يقول المؤرخون :
“إن الاحتلال الروماني للجزيرة البريطانية هو الحدث الذي أخرج بريطانيا إلى نور التاريخ، إذ جعلها جزءً من العالم المتحضر”
صارت لندن ملتقى الطرق التي شقها الرومان لإحتلال كامل الجزيرة ، فحولوها إلى قاعدة تموين مالبثت أن صارت مركز التجارة الرئيس في الجزيرة كلها ، ثم عاصمة معظم العالم في تاريخ ما…
عجز الرومان عن ضم كامل الجزيره لملكهم فأقاموا حائطا دفاعياً من الحجر و الطين حيث وصلوا، عند المنطقة الواقعة بين مضيق فورت و نهر كليد.. لم يمنع هذا السور القبائل المتاخمة له و ما وراءها من القبائل شمالا من إحداث القلاقل و تهديد الحدود ، ثم ما لبثت أن اقتحمته حوالي سنة 180م..
لعل مما يستحق الذكر هو أن الإمبراطور الليبي سبتموس سفيروس هو من حفظ الأملاك الرومانية ، فاصلح السور المتهدم و تولى تنظيم الجزيرة بما يتمشى و جغرافيتها ، ” جعل بريطانيا العليا ذات وظيفة عسكرية و قاعدتها مدينة يورك، و جعل بريطانيا السفلى ذات وظيفة مدنية و قاعدتها مدينة لندن ، حيث استقرت الحكومة.”
كانت لبدة الليبية أكثر تمدناً و قوة و وعياً و عصباً في الإمبراطورية الرومانية، تصدر الثروات و القادة حد ان أصيلها سبتموس سفيروس هو من صنع استقرار الرومان في الجزيرة البريطانية المتخلفة حينها .
ظل أثر الرومان يشكل مسيرة و مصير الجزيرة فيما بعد فتأثر عمرانها و حضارتها بما عليه حواضرهم في البحر الأبيض المتوسط و بلغت مدنا كثيرة مستوى من الحضارة كمدينة يورك 【Yourk】 ؛ التي كانت قاعدة و عاصمة عسكرية في تقسيم سبتيموس ..
لكن مدناً حالية كثيرة ابرزها كانتربري 【Canterbury】 و إكستر 【Exeter】 لم تكن إلّا عواصماً قبلية موغلة في عصبيتها تتفوق على أي عصبية قبلية في زماننا ..
بريطانيا ذلك الزمان كانت فقيرة. ليس فيها من الموارد غير “الصفيح و الرصاص و قليل من اللؤلؤ و الجلود و العبيد و الحبوب” .
إن ثروات بريطانيا و البريطانيون الحالية و غناهم مصدره ما نهبوه و بلادهم من البلاد التي غزوها و احتلوها ..
يظل أن أهم ما حال دون ان تكون الجزيرة البريطانية رومانية كلها و جدير بأن يُدوّن هو قوة اسكتلندا و الاسكتلنديين الذين منعوا إحتلال بلادهم، فحالوا دون أن تكون الجزيرة كلها رومانية أو غير ذلك .
غير أن الإسكتلنديين اليوم هم أكثر شعوب المملكة المتحدة رغبة في فك الإرتباط مع مكوناتها الأخرى و الإندماج في القارة الأوروبية ، فإذا تحقق هذا فستكون إيرلندا هي مالك مفتاح الجزيرة حقا ، فلن يظل وصف البريطانيين لبلادهم و أوروبا بالجزيرة و القارة كما دأبوا وصفاً صحيحاً و سنكون أمام مملكة مثلومة فقدت معظم قوتها فليس في ويلز و إنجلترا من الموارد ما يعين المملكة على بقائها كما كانت …
و ربما يكون من مصلحة العالم ان تجري الأقدار بهذا ليتخلص من شرور و مكر بريطانيا الماضية و الحالية و يخلو منها المستقبل ..